حَلُمَ بأن يُصبح يوماً صاحب مطعم كونه درس الفندقية واكتسب خبرة كبيرة جعلته شيفاً ماهراً يُتقن تحضير أطباق المطبخ الإيطالي. لكنّ فاجعة بيروت خَطَفًته من دون سابق إنذار.
كان مدلّلاً ومحبوباً لدى آل زين الدين كونه الصبي الوحيد بين 4 بنات هنّ مروى، صفا، أسرار، وناهدة، لكنّ هذا الدلال لم يجعله عديم المسؤولية، على العكس. فوفاة والده باكراً جعل منه "ربّ الأسرة" الصغير الذي يعرف كيف يُمسك زمام الأمور بيده، ويُعيل عائلته. منذ صغره وهو يعرف بكلّ شاردة وواردة، يخدم هذا ويُواسي ذاك. وعندما كَبِرَ أصبح لولب كلّ مناسبة، أكانت فرحاً أم ترحاً، يأتي الأول ويسأل : بماذا يُمكنني أن أخدم ؟ ولا يُغادر قبل إتمام المهمّة.
صفات الهدوء والمسالمة وحبّ تقديم يدّ العون التي تحلّى بها علي جعلته أكثر شخص محبوباً في عائلة زين الدين الكبرى، على ما يقول إبن عمّه رمزي، ولهذا ربّما رَحَلَ باكراً لأنّ المصيبة غالباً ما تطال الأوادم والأحباء الذين "على غفلة بيروحوا وما بيعطوا خَبَر".
كان تلميذاً مجتهداً، درس في مدرسة المعلقة الرسمية للصبيان، وحاز على شهادة البريفيه. ودفعه حبّه للعمل سريعاً الى متابعة دراسته في الفنون الفندقية في معهد الشيخ محمّد يعقوب التقني في "دورِس"، ونال شهادة البكالوريا الفنيّة. بدأ بالعمل في أوتيل قادري الكبير في زحلة، ومن ثمّ قرّر تجربة حظّه في بيروت حيث عمل كشيف في مطاعم عدّة منها "ماندارين" و"كابيتول" و"ستيم" ومن ثمّ في "مارغريتّا" للبيتزا في الجمّيزة وأحد الزملاء.
صباح الثلاثاء المشؤوم، توجّه علي الى عمله ومضى اليوم كالمعتاد. عند السادسة مساء خرج وصديقه للراحة قليلاً ولتدخين سيجارة أمام المطعم. دوى الإنفجار الكبير أصابهما العصف، فطارا من مكانهما. اتصلنا به، على ما يروي رمزي، فلم يُجب. زاد قلق والدته زينب، وأخواته وكلّ أفراد العائلة. لم يسمعوا عنه خبراً. نزل شبّان من البلدة يبحثون عنه في المستشفيات، قَصَدوا مستشفى الجعيتاوي 3 مرّات، وكان الجواب واحد : "ليس لدينا". الى أن أخبرهم أحد الأشخاص بأنّ ثمّة جثث موضوعة الى جانب المستشفى تحت شادر أصفر، فذهبوا ونظروا ليجدوا علي جثّة هامدة بين الجثث مصابة بجرح عميق في الرأس من الخلف.
ذهب علي الى عمله صباحاً وعاد محمولاً على الأكتاف فجراً. والدته وأخواته لا زالن مصدومات، مفجوعات لا تستوعبن أنّ "رجل البيت" رَحَلَ الى غير عودة.