كريستال العضم

ورحلت الوردة الجميلة كريستيل العضم ابنة السّتة والثّلاثين عاماً. ابنة درعون، البلدة الكسروانيّة، سيدة الفرح واللّحظات السّعيدة في عائلتها، ذوّب صباها الإنفِجار الغادر، فاختفَت الابتسامة وطاف الصّمت الممزوج بالغضب.

رفاق الطّفولة والمدرسة، كانت تذهلهم هذه الفتاة بذكائها الحاد ونهمِها للمعرفة. مازالوا يذكرون الفتاة الأنيقة دائماً، متذوّقة الموسيقى والفن، المحبّة للرّياضة.

في طفولتها وصباها، كانت كريستيل حالمة دائماً. هاجسها الأبْرز هو تحقيق أكبر عدد من الانجازات في حياتها. شخصيّتها كانت دائماً حماسيّة، تتحرّك دائماً في كل الاتّجاهات، وكأنّها سمكة في بحر.

في الجامعة اليسوعيّة حيث درست كريستيل الإقتصاد، كان حضورها دائماً شديد الغنى، ليس في قاعة المحاضرات فحسب، بل في كل ما يتّصل بالحوار والمبادرة والعمل الجماعي بين الطلاب.

الكثيرون منا ينجحون، ولكن القليلين هم الذين يحلّقون. هكذا كان حال كريستيل عندما غادرت لبنان إلى فرنسا لتتابع دراسات عليا في الاقتصاد، قبل أن تلتحق بأحد أكبر البنوك الأوروبية في "جنيف" للعمل فيه.

تسع سنوات أمضتها كريستيل في الخارج، عانى خلالها والداها من عطش الشّوق. وعندما لم يعد بمقدورِهما أن يقبضا أكثر على جمر الحنين، أقْنعاها بالعودة، فهل كانا يدْريان أنّ هذه العودة ستحمل معها يوماً كل هذا الصّقيع، وأنّ كريستيل ستغيب لتتحوّل إلى ذكرى واشتياق؟

إلى بيروت عادت كريستيل، وانضمّت إلى مجموعة ""بنك بيروت"" لتعمل مديرة للخدمات المصرفيّة فيه.

رفاقها في العمل يقولون أنّ المكتب في غيابها اليوم أصبح بارداً وتحوّل إلى صندوقة موحشة." قبل عشر دقائق من حصول الانفجار دخلت إلى منزلها في الجمّيزة. كانت وحدها، والداها كانا في درعون. فجأة ومن دون مقدمات، تحول كل شيء من حولها إلى لهب يتطاير. قبل أن تدخل كريستيل في مشهدية الغياب، اتّصلت بوالدها طبيب القلب نزيه العضم: "تعا خلصني" تلك كانت آخر الكلمات.

حضر والدها بسرعة. في الطّريق كانت الجثث تملأ المكان، وقد انقطع منها زفير الحياة. عندما وصل، كانت كريستيل قد طوت آخر صفحاتها ومضت. مع ذلك قرّر ألّا يستسلم. حاول إنعاش قلبها، ولكنّ القلب كان قد ركب الشراع وسافر. نقلها إلى أحد المستشفيات حيث استلمَتها إحدى سيّارات الإسعاف ونقلتها إلى مكان لا يعرفه. يا لها من ليلة قضاها الدّكتور نزيه يبحث عن ابنته بين أكوام الجثث في المستشفيات. هي ليلة خطفت الفرح من عينيه إلى الأبد وأودعت مكانها حنيناً موجعاً هو أكبر من المكان وأكبر من الزّمان.

Arabic