شادي غسّان أبي شقرا

ضاع شادي. فَقَدَته عائلته لساعات كأنّها دهر. حَلُمَ باستعادة سمَعه، فهل سَمع دوي انفجار 4 آب الهائل؟ وإذا فَعَل فلماذا لم يركض "طيران" الى المنزل، كعادته لدى سماعه صوت رصاصة؟

الشاب الثلاثيني، الجميل المحيّا، الطويل القامة. بعدو "زغيّر" بنظر والديه غسّان وحياة، فهو شغل عائلته الشاغل بعجقته وحركته وإشاراته، وصغير عائلة أبي شقرا، المؤلّفة من أخته نانسي وأخيه شفيق. كان طفلاً جميلاً جدّاً، أشقر الشعر، أخضر العينين، حاد الذكاء، وشقيّاً. يسمع صوت والدته ويُحدّثها. لكنّه في عمر السنتين والنصف تعرّض لحادثة إذ وقع التلفاز على الأرض فأحدثَ "انفجاراً" جعله أبكماً وأصمّاً. أُجريت له عمليّتان دون جدوى. لم يبقَ مدرسة للتدريب على السمع والنطق إلاّ وتعلّم فيها لغة الإشارة كونه يكره الإنضباط مثل "إيراب" وبعبدات وبلّونة والكفاءات في عين سعادة.

بقي شادي خفيف الظلّ، طيّب القلب، ديناميكيّاً، وخدوماً حتى عندما كَبر، فجَمَع حوله الكثير من الأصدقاء في لبنان والخارج. كلّهم يحبّونه كثيراً، يُرسل لهم الفيديوهات والرسائل، وهم يفرحون بالتواصل معه. أحبّ سماع الموسيقى، وكان رياضيّاً و"شغّيلاً" يُساعد والدته في رَكن السيّارات في الموقف المقابل لكنيسة مار يوسف- الحكمة.

حَلُمَ بالسفر كونه لم يُسافر يوماً. كما باستعادة سمعه، كونه يسمع 5 % فقط من الأصوات المرتفعة، وبزرع سمّاعة ثابتة في رأسه تحتاج الى عملية جراحيّة بتكلفة باهظة، فاكتفى بالسمّاعات المتحرّكة.

يوم الثلاثاء المشؤوم كان شادي في المنزل مع العائلة، على ما رَوَت والدته. عند السادسة هاتَفَهُ صديقه عبدو فذهب لاحتساء القهوة في منزله الذي يقع عند خطّ مستشفى الروم. وخرجت حياة وحفيدتها لتسقي النباتات في ساحة الكنيسة. سمعت رصاصاً وهدير طيران، ثمّ دوى الإنفجار القوّي، فسقط كلّ شيء عليهما.

أُصيبت بيدها، ونُقلت الى المستشفى لإيقاف النزيف. بقيت تسأل: أين شادي؟ والده قال إنّه "عالق في مكانٍ ما، ولا يستطيع الخروج". طال الليل وطار النعاس. عُدّ في عِداد المفقودين.

بعد 24 ساعة جاء أحدهم يُعلم العائلة بأنّ شادي تحت أنقاض البناية التي سقطت ويقوم الدفاع المدني برفعها حجراً حجراً.

ركض والده المصدوم متأمّلاً خروجه حيّاً. غير أنّ شادي وعبدو خرجا جثتين هامدتين، فيما نجا أخ صديقه عصام. فهل توفي شادي على الفور، أم أنّه لم يتمكّن من إصدار أي صوت طلباً للنجدة ؟

Arabic