لم تتزوج ايزابيل مشعلاني، أمضت عمرها هي وشقيقتها رينيه، التي بقيت عزباء هي أيضاً، في منزلها القديم في منطقة المرفأ، والذي ورثته عن والدها. هي من ذلك الجيل الطيب الذي حافظ على بياض الطريق حتى آخر لحظة من حياته، هي من ذلك الجيل العتيق بطعم النبيذ الذي يأبى إلا أن يكون كل صباح أكثر جمالاً.
من يعرف ايزابيل، يعرف أنها كانت كقصص السحر بالنسبة للأطفال. في بيتها، تربى أكثر من جيل من العائلة ومن الاقارب. في اهتمامها بهم، في حنوها عليهم وفي حرصها على راحتهم كانت أجمل من الأجمل.
في بيت ايزابيل كان الأطفال يأخذون راحتهم وبجرعات كبيرة. زوايا البيت القديم لم تكن تتسع لضحكاتهم. في بيت ايزابيل، لا سلطة للأهل على أولادهم: المهم ألا تغضب "التاتا"، يعرفون انه ليس لها من مؤنس سواهم في وحدتها هي وشقيقتها. مشهد مؤقت وسينتهي بعد قليل: هكذا كان يعتقد الآباء والأمهات، ولكن الاولاد كان لهم رأي آخر. فاللحظة الوحيدة التي كانت تقلقهم هي اللحظة التي يحين فيها موعد العودة الى المنزل. كانوا يختبئون خلف الكنبات، يهرولون إلى الشرفة، فهم يريدون أن يبقوا. يأكلون من الطعام الذي تعده ايزابيل الذي تطعمهم إياه بيدها وتشتري لهم ألالعاب.
ليس الاطفال وحدهم من كانوا يشعرون بدفء المكان. فكان للكبار أيضا من جيران ايزابيل في الحي نصيب من رائحة الحب هذه. بفرح كانت تستقبل ضيوفها وتُشعرهم بأنهم وحدهم في البال. يقول أحد جيرانها: "من يدخل الى بيت ايزابيل سرعان ما كان يشعر وكأنه داخل إلى حديقة من الجمال، هادئة، ونظيفة ومرتبة".
قد يكون أحلى ما فيها انها ظلت حتى آخر يوم في عمرها تحرص على ان ترتدي احلى ثيابها وكأنها فتاة في العشرين. تخرج الى الشارع تشتري اغراضها بنفسها. بالرغم من بلوغها السادسة والتسعين كانت تصر على تنتقل من مكان إلى اخر من دون مساعدة أحد.
قبل أيام قليلة من وقوع الانفجار، زارها احد اقربائها فكانت المرة الأولى التي يراها فيها تبكي، وكأنها احست ان هناك فاجعة قادمة. وبالفعل صوّب عليها الموت كمحترف عتيق. أصيبت هي ورينيه في انفجار الرابع من آب، ظلت تصارع حتى اللحظات الاخيرة.
قبل أن تصل إلى مستشفى بحنس تغيرت ملامحها، وغرقت عيناها في العتمة.
عادت ايزابيل إلى بلدتها صليما لتسكن في الصمت بعد أن خذلها هذا العالم المختل، فأخذها في ميتة من أكثر الميتات غموضاً.