هو الإبن الثّالث في عائلة مؤمنة ومتعبّدة لله بدءاً من الوالدة، ومؤلّفة من 8 أبناء وبنات . كان مشاغباً في طفولته، وأصبح مُسالماً في شبابه بشكل مخيف، على ما يروي شقيقه المحامي بيار. أحبّ العِلم وحاز على 7 ماجستير في مجال الهندسة. كَتَب مسرحيات وتراتيل، ورنّم وزوجته في الكنائس، وكان عضواً في "طريق الموعوظين" مع مرشده الروحي الأب إيليّا مونّس.
نعم للإنسانيّة، لا للإرهاب. صوتُ مطبعةٍ وصورة (كأنّها ورقة نعوة) ترمي أوراقاً مكتوب عليها أسماء أشخاصٍ مشطوبة” تنزِف دماء . صوت صُراخ يذبح. عيشُ حالة موت، رعب، مجزرة إنسانيّة، دماء" . هذه العبارات لا تصف حال بيروت المنكوبة بعد انفجار 4 آب، بل قَبلَه بيوم. كتبها جاك الجميّل الإثنين وتركها على طاولته . غمر زوجته برناديت وولديه ميشال (7 سنوات) وريتا (4 سنوات) "غمرة وداع" وقال لها: "أنتِ قويّة، يمكنُني الإعتماد عليك". فهل هو تنبّؤ أم عمل ربّاني؟
صباح الثّلاثاء صعد إلى منزل والدته جاكلين، ليقبّل يدها كعادته. بَدا مختلفاً، سألها عن أحوال إخوته فرداً وفرداً، على غير عادة. قال: "أنا تَعِب". شَرَحَ لها يأسه من هذا العالم الذي لا يستطيع الاندماج فيه. ففي وزارة الصّناعة حيث يعمل، يلومه الكثيرون لمَ لا يقبل الرّشاوى، هو الذي يكره الأمور الماديّة.
قبل الإنفجارِ بدقائق، بَدا منهمكاً بإدخال أَسِرّة جديدة إلى غرفة ولديه التي زيّن جدرانها برسومات جميلة. اندلع الحريق، ثمّ دوى الإنفجار الأول، طلب من أفراد عائلته الإنبطاحِ أرضاً. وقع الإنفجار الثّاني فتدمّر المبنى، لكنّ الجميع نجا بأعجوبة. بَدا جاك مصاباً قليلاً في رأسه، إلى أن أحسّ بدوخة شديدة، فنُقل إلى مستشفى "أوتيل ديو، احتاج دماً . بعد ساعتين أسلم الرّوح جرّاء نزيفٍ داخلي.
عندما تهدّم مبنى الجميّل المُواجه مباشرة للمرفأ، تحطّم كلّ شيء في منزل المهندس جاك، حتى الطّاولة التي كان يرسم عليها طارت من مكانها، باستثناء الورقة- اللّغز.
لم تنتهِ قصّة جاك الشّاب الأربعيني الجميل الخَلق والخُلق، هنا بل لعلّها بدأت . رأته خالة زوجته في الحلم كـ "أبونا الجميّل"، وقيل لها إنّ "مجد الأمجاد بحاجة إليه". وقال لزوجته في الحلم أيضاً "ما فيكي تتخايَلي شو حلوة السما يا برنا.
أحد الكهنة طلب من أخيه بيار، الصلاة لروحه لكي يشفي طفلة مريضة. حتى إبنه ميشال الذي أخفوا عنه خبر وفاته قال لوالدته: " البابا مهندس وهو يبني بيوت السّلام في السّماء مع يسوع؟". فهل يخرج من انفجار بيروت المدمِّر "مشروع قدّيس" حَلُمَ بنشر السّلام في العالم؟!