جو حدّاد

قَسَت الحياة عليه بعد أن حَرَمته من والديه اللذين توفّيا قبل أن يفرَحا به عريساً، وأبعدته عن أخيه وأخته بفعل الهجرة، وأكملت قسوتها عندما رَوَى بدمه ساحة مرفأ بيروت مستشهداً في سبيل الوطن.

جو صغير والديه مَلَك وفرنسيس، ترعرع في بلدة روم مع أخيه هنري وأخته زينة. كان طفلاً ذكيّاً وشقيّاً ومحبوباً من الجميع وقريباً من القلب، يقوم بالمقالب المُضحكة. "نضحك كلّما نتذكّره نظراً لخفّة دمه"، يقول ابن عمّته جوزف. تلقّى علومه في مدرسة دير سيّدة مشموشي في جزّين القريبة من منزله. وعندما طلبت الدّولة من الشّباب الإلتحاق بالأمن العام لخدمة الوطن لم يتردّد، تقدّم بطلب وقُبِل. دخل السّلك بتاريخ 4 أيلول 2006 برتبة مأمور متمرّن، وتدرّج في الترقية حتّى رتبة مفتّش ممتاز في نهاية العام 2018. تنقّل في الدّوائر الآتية : البثّ المرئي والمسموع، الحماية والتّدخّل، العديد، ودائرة مرفأ بيروت. حاز على تنويه المدير العام للأمن العام اللّواء عبّاس إبراهيم أربع مرّات، وعلى كتب تهنئة خطيّة عدّة.

عاش في السّنوات الأخيرة مع والدته بعد أن هاجر أخوه إلى نيوزيلندا ثمّ إلى الإمارات وأخته إلى أستراليا، بعد وفاة الوالد منذ خمس سنوات.

بَدا مسروراً بالاعتناء بها وبتلبيةِ طلباتها، غير أنّ فرحته لم تكتمل، إذ توفّيت بسبب نزيف معوي قبل شهرين من استشهاده.

افتقدها كثيراً، هو الشّاب العسكري الثلاثيني العازب، فخطّط للهجرة إلى نيوزيلندا بعد إنهاء أعوامه الثّلاثة في الخدمة . نوى الزّواج وتأسيس عائلة، لكنّ نصيبه تعثّر مرّتين.

يوم الثّلاثاء الحزين، كان جو في عمله في مرفأ بيروت كالمعتاد. عند السّادسة دخل ليرتاح في الغرفة المخصّصة لعناصر الأمن العام، كون خدمته ستستمرّ ليلاً. كان معه عسكريان، أحدهما ذهب إلى البحر ليصطاد السّمك، والثّاني سأله مرافقته لإحضار العشاء لكنّه رفض على غير عادته .

دوّى الانفجار الكبير، فقلقَت عائلته عليه. اتصلت بهاتفه مراراً ولم يُجب. أحد العسكريين دلّ المسعفين على مكان وجوده. جرى كشف المكان، فوجدوا حائط الغرفة واقعاً عليه. للأسف كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة تحت الرّكام، فتمّ نقله إلى مستشفى الزّهراء جثّة هامدة. نعتهُ مديرية الأمن العام منوّهة بمناقبيّته العسكريّة، ورقّته بعد استشهاده إلى رتبة مفتّش أوّل ممتاز.

استشهد جو ملتحقاً بوالدته إلى السّماء، أمّا هنري الذي جاء إلى لبنان ليودّع أخيه الصغير، فشيّد له نصباً تذكاريّاً على اسمه في روم رُفع عليه الصليب تخليداً لذكراه.

Arabic