وُلد الشّاب محمود علي سعيد في 1/1/1998 وترعرع في قرية عين الذّهب في عكّار، و بدأ بالعمل باكراً وهو في عمر السّابعة عشر عاماً وأسّس حياته ثم تزوّج ورُزق بطفلين.
محمود البهيّ الطّلة، الذي تعرّف على مصاعب الحياة وتحلّى بالمسؤوليّة في سنّ صغيرة، لم ينجرّ إلى مغريات الحياة، بل كان نِعم الزّوج والأب المتعلّق بابنتيه وذلك الشّاب القنوع الهادئ والرّصين العاقل...
أُجبر محمود على العمل بأحد مطاعم المدينة في منطقة الجمّيزة لتأمين لقمة عيشه بسبب الظّروف الإقتصاديّة الصّعبة التي كان يواجهها في مدينة عكّار وبالأخص في قريته. في ٤ آب ذلك اليوم المشؤوم كان يعاني محمود من وجع في معدته، ذهب مع والدته إلى منطقة حلبا للمراجعة الطبيّة حيث طُلب منه القيام بعدد من الفحوصات اللّازمة والتّنظير للمعدة.
انتهى من المعاينة السّاعة الثّانية من بعد الظّهر حيث قضى معظم يومه مع والدته، وأثناء تناولهما وجبة الغداء معاً طلبت منه عدم الذّهاب إلى العمل ومرافقتها للمنزل فقال لها ""بروح بجيب حليب للأولاد وبرجع""."
وصل محمود إلى مكان عمله عند السّاعة الرّابعة والنّصف تقريباً وعند لحظة حصول الإنفجار وقع حائط المطعم الذي يعمل فيه محمود عليه ففارق الحياة على الفور، وحلّت الكارثة على عائلته حين تلقّى والده اتّصالاّ مفاجِئاً يحمل معه خبر وفاة ابنِه محمود، هبط الخبر عليه كالصّاعقة وشكّل صدمة كبيرة للأهل والأقارب... لم يكن ابن الإثنين والعشرين عاماً، يعلم أنّ طفلتيْه اللّتيْن كانتا تنتظِرانه ليجلبَ لهما الحليب، سيتحوّلان إلى يتيمتيْ الأب بدون ذنب وسيكون مصير طفلٌه الآخر الذي لم يولد بعد ألّا يتعرّف إلى أبيه أو ألّا تجمعهما ولو حتى صورة.
ليرتقي هو شهيداً وينضمّ إلى قافلة شهداء انفجار مرفأ بيروت تاركاً شريكة حياته وحيدة من دون سند، وأمّاً مفجوعة على خسارة ولدها الذي رافقته في يومه الأخير لتداويه من وجعه ، فأتى الانفجار لينشل الوجع من محمود ويخطفه من الحياة، تاركاً أباً تملأ الغصّة صوته وقلبه وهو يتكلّم عن ولده بصوتٍ خافت: الغالي راح مهما عملوا لن يعوّضوا عمّا حصل"
فما ذنب هذه العائلة بأكملها لتعيش هكذا مأساة برحيل ولدها وهو في عزّ شبابه؟