عمرها من عمر الوطن بأقلّ من عامين.. وُلدت إبّان ولادة لبنان الكبير ولم تشأ الرحيل إلاّ عشية الذكرى المئوية الأولى له في 31 آب رغم أنّها أُصيبت مباشرة بانفجار 4 آب المدمّر.
وُلدت الإبنة الوحيدة لألفرد بك سرسق والإيطاليّة دونا ماريّا سيرا دي كاسّانو، ووريثة عائلة سرسق الأرستقراطية في نابولي. فَقَدت والدها بعد سنتين، فعادت بها والدتها الى لبنان وربّتها بين العمّة إيزابيل، تلك الأرملة الشابة التي جاءت لتعيش في قصر سرسق وعملت على أن ترث ابنة أخيها القصر، وبين صديقاتها الفرنسيّات والإيطاليات اللواتي كنّ يأتين للإقامة عندها.
كانت طفلة جميلة ومدلّلة ذات إمتيازات ورغباتها مطاعة من الجميع. تلقّت دروسها الإبتدائية في مدرسة "سيدات الناصرة". ثمّ سافرت الى إنكلترا وأكملت دراستها في مدرسة فرنسية، ثمّ عادت في الثامنة عشرة من عمرها الى لبنان ونالت شهادة البكالوريا.
جمعت بشخصيتها ثقافات ولغات وعُرفت بلكنتها العربية "المكسّرة"، وبدت إمراة متسلّطة، متشبّثة بآرائها، وذكيّة وطموحة جدّاً، الأمر الذي كان صعباً على مَن حولها. ولفتت كجدّة انتباه أحفادها وحفيداتها الـسبعة ، فضلاً عن أولاد أحفادها الـستة بتاريخها وبالقصص الرائعة التي كانت تُخبرها وبدفاعها عن التراث وبتخطيطها الدائم للمستقبل.
يوم الإنفجار كانت تجلس على شرفتها في القصر المقابل لمرفأ بيروت، تلقّت الصدمة بقوّة، وقعت أرضاً وأصيبت بقدميها بحطام الزجاج، على ما يروي ابنها رودريك. لم يجدوا مستشفى تستقبلها في بيروت، فتمّ نقلها الى مستشفى عاليه حيث بقيت أسبوعين أُعيدت بعدهما الى منزل ابنها البكر بعد أن تهدّم القصر ولم يعد صالحاً للسكن. أسبوع واحد كان كفيلاً بتدهور صحّتها، ثمّ عادت الى المستشفى حيث توفيت بعد ثلاثة أيّام. شعرت بأنّ قصرها تعرّض للدمار لكنّها لم تتخيّل ضخامة الأضرار الجسيمة التي لحقت به، ولو أدركت لما صَمَدَت 25 يوماً بل لفارقت الحياة على الفور.
اختزنت الليدي كوكرن بشخصها مئوية وطن، وبقصرها تراث الوطن، وسجّلت للتاريخ أنّها كانت أكبر ضحايا انفجار 4 آب الذي حصد خيرة أطفال وشباب وشخصيات هذا الوطن الذي لا يستحقّ أبناءه."