حبّه للبنان دفعه للتّنازل عن كلّ المغريات العمليّة الماديّة في دول الخارج والعودة للعيش فيه مع أهله، حالِماً بالارتباط بخطيبته الأوكـرانيّة آنّا زاسنْكو التي نقل إليها عَدوى حبّه لبلده. .
من أبّ لبنانيّ وأمّ أوكـرانيّة، وُلد وليم الابن البكر لعائلة عازار، ثمّ جاء كريستوف بعد سنتين، فكانا أخويْن متفاهميْن ومنسجميْن، يدرسان معاً ويلعبان الشّطرنج. عاشَ طفولة سعيدة في كنف عائلته، كان ولداً محبوباً، شديد الذّكاء وعاشقاً للثّقافة. تلقّى دروسه الجامعيّة في التّدقيق المالي في جامعة الرّوح القدس- الكسليك، واختارته شركة "ديلويت" العالميّة من بين نخبة من الشّبّان. عَمِل معها في أبو ظبي ثمّ قرّر العودة إلى لبنان "فالمادّة آخر همّي، على ما كان يقول، المهمّ أن أبقى إلى جانب عائلتي"، وشغل منصباً في شركة "كابيه.أم.جي"/بيروت.
كلّ من عَرَف ذلك الشّاب الثّلاثيني البهيّ المحيّا، الطويل القامة والنّحيل الجسم، يصفه بالشّخصية الإستثنائيّة. كان مرحاً، كريماً، خدوماً وصاحب قلب طيّب والإبتسامة لا تُفارق وجهه. أحبّ الحياة، سافر كثيراً مع والدته إلى موطنها كييف للإطمئنان على أهلها، وجالَ برفقة خطيبته على دول عدّة، لكنّه كان يُفضّل لبنان على أي بلدٍ آخر حبّه للحياة كان متلازماً مع حبّه للأرض والنّبات، فقبل أشهر من الإنفجار زرع وليَم شتولاً من الخضار على سطح منزل العائلة الصّيفي، وكم كان سعيداً أن يرويها وخطيبته...
يوم الثّلاثاء المشؤوم في 4 آب، ذهب وليَم إلى عمله في بيروت كعادته. عند الخامسة والنّصف من بعد الظّهر حضر والده برفقة خطيبته لاصطحابه إلى المنزل، فطلبَ منه المرور بالمصرف في منطقة الأشرفيّة. شبّ الحريق في المرفأ، ثمّ اندلع الإنفجار الأوّل فأحدث ضغطاً أزاح الجميع من مكانهم. إلتفت إلى الوراء متفقّداً خطيبته التي كانت تجلس في المقعد الخلفي، فيما كان والده إلى يساره. دوّى الإنفجار الثّاني، طار حجر رخام كبير من حيث لا يدري أحد، وسقط على سقف السيارة فأصابَه مباشرة. لفظ وليَم أنفاسه الأخيرة على الفور، فيما سَلم والده وخطيبته بأعجوبة، هو رحل أمام ناظريْهما: والده لا يسامح نفسه كيف أنّه توقّف ليركن في هذا المكان بالذّات، وخطيبته اليوم تسقي النّبات بدموعها قبل أن ترويها بالماء، فمن يَروي اليوم قلب العائلة العطشى لرؤية ابنها!