محمد المصري

ولد محمد المصري بداية كانون الثاني من العام 1987 في محافظة حماة السورية وترعرع في كنف عائلةٍ مؤلفة من ثمانية أشخاص، دخل المدرسة ليتلقى علومه الأولى، مُجتازًا المرحلة الابتدائية، ومع بداية عمر المراهقة انصرف الى الحياة الشبابية، محاولاً اكتشاف الحياة في هذه المدينة الكبيرة، متنقلاً بين شوارعها كمراهقٍ غير مدركٍ ما يخبئه له المستقبل.

حين أدرك أن لا فائدة من الخمول وأنّ قطار العمر بدأ يتجاوزه، وحان وقت التخطيط للمستقبل، ومع بداية الأحداث في سوريا بداية العام 2012 ، انتقل الى بيروت واستقر في منطقة مار مخايل، ليبدأ مرحلة التأسيس لحياةٍ رغيدة. فانطلق بالعمل في فن العمارة وتحديداً تلبيس الجدران والبلاط والسيراميك.

يوم الرابع من آب 2020، وبعد يوم عملٍ طويلِ وشاق، وصل الى منزله ليأخذ قسطاً من الراحة، دوى صوت قوي، ونزولاً عند طلب جارته التي كانت تهتم بطفلها، لمعرفة مصدر الضجيج والأصوات الصاخبة المترافقة بالمفرقعات في الخارج، توجه مسرعاً نحو سطح المبنى ليلقي نظرةً فوجد حريقاً هائلاً من ناحية المرفأ، وأصوات المفرقعات ترتفع رويداً رويداً، بعد الانفجار الأول، معتقداً كالغالبية من سكان بيروت بأن اسرائيل تقصف المدينة، هرول الى المنزل لكن مع وقوع الانفجار الثاني سقط أرضاً وغاب عن الوعي. وغابت عنه الاحداث.

عندما استعاد وعيه، كان ابن خاله نور وردا الذي عثر عليه بين الركام مصاباً ومضرجاً بالدماء، إلى جانبه بعد أن نقله الى مستشفى جبل لبنان لإسعافه. يُذكّر نور دائما محمد: بأنّ أثناء نقله الى المستشفى كان يقول "يا رب موتني و ريحني على قد ما أنا موجوع"، وفعلاً إصابة محمد كانت خطيرة، وكانت فرصة النجاة لديه معدومة. وحسب وصفه لحالته:"كان ميتاً، مطحوناً طحن". بالإضافة الى الزجاج المتناثر الذي غرز في أنحاه جسمه، أصيب محمد ب 13 كسرا في ضلعه لجهة الشمال و 11 كسرا في ضلعه لجهة اليمين، كما تضررت رئتاه بشكلٍ كبير، أما يده اليمنى فقد انسلخ اللحم عنها ما استدعى تركيب صفائح حديدية لها، كذلك انكسر كتفه الأيسر، الى ذلك، بات لديه ضعفٍ في حاسة السمع.

مكث محمد في المستشفى ما يقارب 15 يوماً حتى تمت معالجته وامتثل للشفاء لا سيما بعد أن تم فتح منفسٍ في معدته لكي يستطيع التنفس من خلال الأنابيب، على أن يواظب على العلاج. لكن، عندما أراد متابعة علاجه، اصطدم بحاجز الضيقة المادية، ففي ظل خسارته الكاملة لصحته ومنزله وعمله، وعدم استطاعة الدولة تأمين المعاينة له، وعدم حصوله على أي مساعدة من أي جهة، وجد نفسه تحت ثقل الدين الذي لا يرحم.

وبعد مرور سنة كاملة بعد التفجير على هذا النحو "من تحت الدلفة لتحت المزراب" قرر محمد العودة الى سوريا بعد أن خسر عمله في مجال العمارة وتلبيس البلاط والسراميك، وبات عاجزاً عن العمل حتى يومنا هذا في أي مجال بسبب إصابته التي دمرته بالكامل.

خلال اتصالٍ هاتفي أجريناه معه أكد لنا:" أنه كان يحب لبنان كثيراً، لأن وضعه ووضع أهله المادي تحسّن كثيراً بعد أن كان يمدهم بما تيّسر معه، لكن، بعد انفجار مرفأ بيروت، انهار وضعه وأصبح عاجزاً عن خدمة نفسه، والخوف يعتريه من وضعه الصحي المتأزم في حين تفتقد عائلته لأي معيل.

الى ذلك، وبعد زيارته للطبيب في سوريا لانتزاع الصفائح في يده، يقول محمد:" أن الطبيب أكد له بأنّه في حال أراد فك الصفائح الحديدية الموضوعة في يده، ستنعكس سلباً على وضعه الصحي بعد أن التحمت عظامه عليها وفي حال انتزاعها ستسبب له إعاقة دائمة بنسبة 90%، لأن العصب سيتضرر."

حالياً، محمد عالق على الحدود بين سوريا و تركيا، في منطقة أدلب. وبعد فراق دام 12 سنة، كل محاولات الالتحاق بأهله في تركيا باءت بالفشل، كما لا يمكنه العودة الى مسقط رأسه في حماة نظراً للظروف العسكرية التي تعصف في سوريا، كذلك، يجد صعوبة في العودة الى لبنان نظراً لوضعه الصحي المتأزم الذي لا يسمح له بالعمل، فلا سقف منزل يأويه ولا مهنة تسعفه... و يختم المقابلة قائلاً: "الحمدالله على كل شي، متت و رجعت، بس أنا عايش بصعوبة".

Arabic