هو عصام فرعون أبن الاشرفية تراثه وتراث عائلته عميق الجذور فيها. يناديه سكان الحي منذ ولادته بشيخ "الشباب"، وذلك لخفة روحه وقربه من الناس.
هو صادق في تعاطيه مع الناس كما يقول أحد عارفيه. قبل حوالي الخمسين عاماً تزوج عصام من ليديا فرعون وعاش معها بتفاهمٍ تام حتى اليوم. اخلاصه ومحبته لها تجليا أكثر من أي وقتٍ مضى بعد مجزرة الثلاثاء الأسود، التي أصيبت فيها ليديا بإعاقة دائمة كما أصيب بدوره هو أيضا بإصابات بالغة. منذ ذلك التاريخ وعصام لا يغادر منزله إلا للضرورة القصوى. يجلس قرب حبيبته يخفف عنها ويلبي طلباتها.
قبل عاصفة الدمار تلك. كانت أيام عصام تسير بهدوءٍ وانتظام. كان يمارس رياضة المشي ويعود إلى منزله، يمضي معظم أوقاته في إدارة أعماله من خلال الحاسوب. لكن اليوم تغيّر المشهد. الاصابات التي ألحقت به حدّت كثيراً من نشاطه البدني الذي كان لايزال مقبولاً جداً لشخصٍ تجاوز الثمانين من العمر قبل المجزرة.
يوم الرابع من آب، كان عصام يجلسُ وراء مكتبه يعمل على الحاسوب الخاص به، وفجاةً لم يشعر إلا انه قد طار من مكانه وسقط أرضاً في الغرفة المجاورة. وقبل أن يعي ما حدث شاهد حائط منزله ينهار. نظر إلى نفسه فوجد الدماء تنزف من أنحاء جسمه. بحث عن زوجته فلم يجدها أمامه ناداها بِأعلى صوته فلم تجب فأصابه الهلع.
في تلك اللحظات وصل عدد من الشبان الى منزله ونقلوه مع وزوجته التي وجدوها فاقدة الوعي تحت الردم، الى المستشفى، حيث الطريق اليها كانت شاقة وطويلة. فالسماء كانت مغطاة بالسواد بسبب الحرائق المندلعة في أماكن عدة أصابها الانفجار. الزجاج المتناثر كان في كل شبر من الارض. كذلك وضع السيارات لم يكن أفضل بل كانت مقلوبة ومحطمة، وكان هناك جرحى يئنون على الارض لا يجدون من يسعفهم.
في مستشفى مار يوسف قضى عصام حوالي الاسبوع لمعالجته من الجراح التي اصيب بها في أذنه اليمنى ورجليه ونتيجة ذلك، أصبح يعاني من دوخة دائمة وصعوبات في المشي ما اضطر الى استعمال العكازة أثناء التنقل لمسافات طويلة.
اليوم أصبح عصام سجين منزله في أكثر الاوقات. لا يبارحه إلا للضرورة القصوى. يعيش في حزنٍ دائم على ما آل إليه وضع زوجته . لا شيء يعوّض فقدان الصحة البدنية والنفسية، وخاصة إذا كانت نتيجة عملٍ أجرامي مهما كان نوعه.
هل ستنتصر الحقيقة يوماً في هذه القضية ويلقى صوت الموجوعين أذاناً صاغية؟ وهل سيخرج يوماً من وراء كل هذا الضباب من التعامي والانكار لحقوق هؤلاء الضحايا في المحاسبة والعدالة والتعويض. مسؤول استثنائي بشجاعته ونزاهته مستعد أن يحمل هذا الملف ويمضي في المواجهة مع الباطل حتى النهاية؟