نافيا الغاوي

بيروت تلك المدينة المليئة بالحياة و الضجيج وازدحام السير و الموسيقى تعلو في أرجائها …يقصدها السيّاح من كل العالم ليكتشفوا معالمها الأثرية من كل منطقة و زاوية تاريخية.

نمط الحياة فيها سريع الايقاع، منوّع لا يعرف الممل، عملٌ خلال النهار و فرحٌ وسهر أثناء اللّيل، على الرغم من الهموم والأوضاع المأسوية

التي تعاني منها غالبية الشعب اللبناني، إلا أن الأمل يبقى مشعاً في قلب شعبٍ لا يستسلم للاحباط . إلا أن الرابع من آب غيّر ملامح بيروت الفتية، التي كانت تضجّ بالجمال والحياة فتحولت إلى عجوزٍ حزينة، بعد انفجار مرفأ بيروت الذي هزّ أركان العالم أجمع و لم يهزّ ضمائر المسؤولين، حيث لطّخت دماء الشعب المساجد و الكنائس، فتحول السقف الذي كان يحتمي الناس تحته الى مقبرةٍ جماعية.

من كان يظُنّ ان يوماً عادياً سيتحوّل إلى مقبرة لبنان، والبيوت التي تآلف الناس بدفئها سيخافُون منها، ومن كل زاويةٍ تكمن ذكرى الجروح الدموية و الإصابات البليغة و الانفجار الكبير؟

عن كارثة انفجار مرفأ بيروت، تتذكر نافيا الغاوي ابنة الستة و عشرين عاماً، الطالبة الجامعية التي اختارت التخصص في الصحّة العامة والتغذية بكلّ غصّة و حزن، بعدما فضلت الغربة بحثاً عن الأمان خارج وطنها، وتقول:

"في الرابع من آب، في الوقت الذي كانت تحضّر مع والدتها الغداء الّذي لم يكتمل، خرجت كعادتها إلى شُرفة منزلها التي حوّلتها الى حديقةٍ صغيرة في منطقة الأشرفية لتُطعم سلحفاتها…"

هنا تتوقف ذاكرتها بعد أن وجدت نفسها تقذف من الشرفة الى داخل غرفة الجلوس، ويسقط أثاث المنزل بكل ثقله على جسدها. مرت عشرون دقيقة ونافيا تعاني تحت الأنقاض من دون أن تعرف حقيقة ما حدث، فهي لا تتذكر أنها سمعت صوت الانفجار. لكنها مستغربة كيف بقيت على قيد الحياة وكُتب لها عمراً جديداً، وتسأل كيف لم تسقط من الشُرفة ارضاً بل داخل المنزل، على الرغم من اصاباتها العديدة في كامل أنحاء جسمها بدءًا من كسورٍ بالورك و الحوض و الظهر، الى تمزق في عضلات يديها و قدميها وحتّى كتفيها.

أمضت نافيا ستة شهور في السرير من دون أي حركة تنتظر الشّفاء، كم من مرةٍ تمنّت لو انّها ماتت على أن تتحمل وجع اصابتها المرفق بالتعب النفسي. كم من مرةٍ سألت من شدة اليأس الذي شعرت به خلال العلاج:" هل لا يزال هناك من معنى لحياتي؟ لماذا انا موجودة و ما هو هدفي في الحياة؟"

أسئلة راودتها يومياً و هي تمكثُ في سريرها دون ان ترى اشّعة الشمس، كان يمرُّ الوقت ثقيلاً عليها و هي تقبع في قوقعة علاجٍ طويل الأمدّ تكفّلت به وحدها في ظروف اقتصادية مدمِّرة، من دون ان أي مساعدة من قبل الدولة.

بعد مرور أكثر من عامين على فاجعة انفجار مرفأ بيروت الكبرى، تحمدُ نافيا اليوم الله على الفرصة الجديدة التي أتاحها لها لتحقّق أحلامها و اهدافها، و لا عزاء للدولة التي لم تعترف بشعبها، لا مطالب و لا رجاء لهم… فقط الرّحمة بالشعب الّذي يُقاتل يومياً نحو حياةٍ عادية لا أكثر.

Arabic