أحمد القعدان سائق الأجرة، هو الشاب الثلاثيني، صاحب العينين الخضراوين والوجه المبتسم دائمأً. كان يتحضّر لعقد خطوبته، في أواخر شهر آب، بعد علاقة حب استمرت لسنوات. انتظر أحمد حبيبته ثماني سنوات لتنهي دراستها. ما من شيء كان سيفصلهما عن بعضهما... الى ان جاء الموت ليترك عروسته مفجوعة.
عرفه الجميع إنساناً خلوقًا ومحباً للمحيطين به. أحبه الصغير والكبير، فحين تجول في الحي حيث كان يسكن ترى صوره معلّقة في كل الأرجاء.
قضى حياته متنقلاً بين عمله والمنزل كادحاً. كان يواظب على فعل الخير بأقل الإمكانيات، هو وحيد امه وابيه بين ثلاث فتيات، كانت تربطه بهم علاقة حب وعطاء، "هو سند الأسرة ومعيلها" هكذا يصفه والده، فأحمد تخلّى عن حلمه في اكمال دراسته بسبب الوضع المادي للعائلة وفضّل مساعدة والديه على تأمين مصاريف المنزل.
رغب أحمد بأن يصبح موظف دولة فتقدم لمباريات في الأمن العام وأمن الدولة، لكنه لم يفز. أراد أن يفتتح مشروعاً خاصاً به، لكن وضعه المادي لم يسمح له، فعمل محاسباً في محل حلويات. الوضع الاقتصادي المتردّي لم يرحمه،، وسرعان ما خسر وظيفته، فاستأجر سيارة أجرة، وعمل سائقاً ليحصد ما يقارب المليون و ٢٠٠ ألف ليرة لبنانية شهريا.
في ٤ آب ٢٠٢٠، وبينما كانت والدته تحضّر له طبق البطاطا المقلية ليتناوله على العشاء عند عودته بعد يوم عمل شاق على طريق البقاع - بيروت، كان أحمد في شارع الجميزة يجلب طلبية قالب الحلوى لأحد الزبائن، كانت السادسة والسبع دقائق وهو لا يزال في سيارته في المنطقة عندما وقع الانفجار الكبير. سقطت أجزاء من المباني على سيارته، وأصيب في رأسه.
أسرع ابوه لتفقد ابنه وقلبه يعتصر قلقا ولوعة. نظر أحمد الى والده أراد أن يكلمه للمرة الأخيرة لكنه لم يكن قادراً على الكلام. لم يخرج من فمه وقتذاك سوى الدماء وأسلم الروح.
سيارة الأجرة لا تزال مركونة أمام منزله مغلفة بغطاء احتراماً لمشاعر امه، فيما تفتقده بيروت التي كان يتجول في شوارعها.
رحل أحمد قبل عيد ميلاده بستة ايام وترك خلفه عائلة، حبيبة وشجرة ياسمين أراد أن يغرسها في أرضه الصغيرة، ولكن عوضاً عن ذلك، زرعتها أمه أمام قبره الذي تزوره يومياً مع والده.