"علي مشيك" ابن بلدة "شعت" البقاعية البالغ من العمر ثلاثة واربعين عاماً لم يذهب ضحية الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت فحسب، قبل ذلك كان ضحية الوضع الاقتصادي المتردّي الذي أجبر ربّ عمله السابق على تسريح عدد كبير من العمّال، من بينهم علي. ايصال أولاده الى أعلى مراتب العلم كان هدفه الأسمى. لم يكن يريد لهم ان يعيشوا الظروف الصعبة التي عاشها هو بسبب الحرمان من التعليم.
البحث المضني عن عمل أوصله بعد شهرين الى وظيفة عامل مياوم في إحدى شركات تفريغ البواخر في مرفأ بيروت، بأجر قدره خمسة عشر ألف ليرة يومياً.
بالرغم من ظروفه القاسية، فإن علي كان يبدو أكثر سعادة من أناس كثيرين غيره. ربما كانت علاقته الطيبة بالناس سبباً في تخفيف الضغوط والتوتر عنه."
في الرابع من آب،th يوم الرابع من آب كان علي قد غادر عمله بعد انتهاء دوام العمل. تأخر في الوصول إلى منزله. انشغل بال زوجته زينب، اتصلت به لتطمئن عليه. أجابها أنه بعد أن كان في طريق عودته الى المنزل، اتصل به رئيسه وأخبره أن باخرة محملة بالحبوب قد رست في المرفأ للتوّ، وانهم يحتاجون لمجموعة من العمال لإفراغها. وافق علي ورجع الى المرفأ ليعمل حتى الفجر لقاء خمسة الاف ليرة عن كل ساعة اضافية.
لم تكن تعلم زينب وقتذاك أنه الاتصال الاخير، وأن الموت سيخرج بعد ذلك من ألسنة النار ليأخذ منها زوجها.. مع تبيّن مكان الانفجار، هرعت تبحث عن زوجها في اهراءات القمح حيث كان يعمل. وجدت كل شيء مدمراً، وقد طمرته الانقاض. لم تغرق كثيراً في الاسئلة، ذهبت تبحث عنه في المستشفيات. امضت يومين على رصيف المرفأ، وهي لاتريد ان تصدق انها خسرت علي، ظلت متمسكة بالامل حتى اخر لحظة.
في صباح اليوم الثالث ظهر وجه علي تحت الركام في اهراءات القمح... اليوم ترتفع صورة علي معلقة على الجدار في منزله.
الاوجاع تقاطع زينب في كل نبرة من نبرات صوتها. ياترى هل يشعر المرء بدنو الرحيل؟ قبل يومين من الحادث المفجع كان عيد الاضحى. كانت المرة الاولى منذ زمن طويل التي لايذهب فيها علي لقضاء مناسبة العيد في قريته بين اهله واشقائه. قرر البقاء في المنزل مع عائلته، وكأنه كان يريد ان يضيف اخر لحظات الفرح على وجوههم قبل رحيله عنهم. ذهب الى السوق واشترى لهم اغراضا كثيرة، وعاش معهم لحظات لاتنسى من الدفء.