الأمان رب ثم أب"، كيف لا وللأب دور مهم في حياة أولاده لا يمكن أن يُعوضه أحد، هو راعي الأسرة والقدوة.
شوقي مرعب، ابن الستة والسبعين عاما، كان الأمان لزوجته فداء وولديه الصيدليين مازن ووائل، زرع فيهما كرم الخُلق وسماحة النفس والتواضع.
مؤمن متدين عاش بخوف الله، همه بيته وعمله الذي يبدأه في السادسة صباحا ويُنهيه العاشرة ليلا في محطة الوقود التي أسسها في شارع مار مخايل النهر.
رفض هجرة ولديه، كان يقول لهما : انا أسست في لبنان لتبقوا فيه لا لترحلوا منه.
في 4 آب، وكعادته دخل الى مكتبه السادسة مساء وأشعل شمعة ليُصلي، وقع الانفجار وأصيب شوقي، أسرع عمال المحطة لإنقاذه، لم يكن أمامهم سوى شاحنة خضار لنقله الى مستشفى القديس يوسف في الدورة.
الى هناك وصل ولداه مازن ووائل وتعرفا الى والدهما من سرواله والسلسال الذهبي لعلاقة مفاتيحه. كان في غيبوبة، وجهه متورم والدم يغطيه.
صورة الأشعة أظهرت انه يعاني من كسور في الرأس و نزيف في الدماغ، أدخل ليلا الى غرفة العناية المركزة وبدأ رحلة علاج استمرت أربعة عشر يوما.
رغم تأكيد الطبيب المعالج ان شوقي قد يستمر في غيبوبته طويلا، الا ان مازن ووائل ثابرا يوميا على التحدث إليه علّه يتجاوب معهما.
في ٨ آب سأله مازن ما اذا كان يود رؤية أحفاده مستقبلا، واذا كان يريد ان يطلب يد عروس وائل ويدبك في عرسه، عندها تدحرجت دمعتان من عينيه وفتحهما وتحرك...
بقي اسبوعا في العناية المركزة، يعاني من الكسور في رأسه ويتابع كل ما حصل على شاشة التلفزيون.
ولأن وضعه الصحي دقيق، وخوفا من وباء كورونا الذي زاد انتشاره بعد الانفجار، ارتأى الأطباء إخراجه من المستشفى على ان تُجرى له بعد ثلاثة ايام صورة أشعة مقطعية لمتابعة الكسور في دماغه.
في ١٨ آب، غادر الى البيت وتناول الغداء مع عائلته بصعوبة بسبب الكسور في اسنانه والقطب (غرز ) في شفتيه. دخل الى غرفته لينام لكنه خرج مشتكيا، إتصل ولده بالطبيب الذي طلب الإتيان به الى المستشفى، وبانتظار وصول سيارة الاسعاف لم تمهله الجلطات المتتالية في الرئة والقلب، فبصق دما وأسلم الروح في سريره بين عائلته.
في الحديقة نختار أجمل وردة ونقطفها، والله اختار من بيروت أجمل الورود من كل الأعمار، وما يُعزي عائلة شوقي انه انتقل الى حيث "ما لم يخطر على بال إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه".