ديمة عبد الصمد

"ديمة عبد الصمد كانت موطن النقاء في حياة عائلتها. كل شيء في هذه السيدة الجميلة، ابنة عماطور في قضاء الشوف، كان يوحي بالحب، كان كالموسيقى في الأثير.

ديمة كانت في صغرها كطيور السماء، حريتها غالية عليها. لم تكن تحب التملق والتفاصيل المملة، وترفض أن تكون تقليدية في حضورها."

في سيرة "ديمة" الطفلة أنها كانت رقيقة كنسمات الصباح، كانت تكره رؤية أولاد يبكون من فقر أو تعاسة، فتذهب إليهم وتحاول بلسمة حياتهم الصعبة بما جمعتهُ في قجتها الصغيرة.

قد يكون أجمل ما فيها أنها كانت في عطائها كمواسم الزيتون. ذلك التلميذ الذي كاد أن يفقد مستقبله الدراسي، لولا قلب ديمة لن ينسى ديمة المشعة بالعطاء. في الجامعة الاميركية في بيروت حيث درست ديمة، وتخرجت حاملة شهادة في إدارة الأعمال، كان اصدقاؤها مزروعين يميناً وشمالاً على جنبها، كيفما ذهبت. تخرج الجميع وذهب كل في طريق، وبقيت ديمة بمثابة الفراشة التي تطير بين الجميع: تتصل بهم و تذهب إليهم ويأتون إليها، هي كانت بالنسبة لهم القوة وألامل والرجاء. يوم أصيب أحدهم بحادث كاد أن يكون مميتاً، لم تنقطع ديمة عن عيادته في المستشفى حيث بقي لقترة طويلة. كانت تقول: "جميل أن نتذكر اصدقاءنا، ولكن الأجمل ان يبقوا في ذاكرتنا".

صدفة كان هو اللقاء بين ديمة عبد الصمد وطبيب الأسنان أنور قيس. لم ينتظر كثيراً حتى يقول لها: "من دونك سيبقى القلب دام وحزين". ابتسمت قبل ان تجيبه : "هناك ابتسامات يجب أن تفهمها وحدك".

أبراهيم وياسمين لا تسعهما اليوم المدن البعيدة التي تحتضنهما حزناً على والدتهما. لم تكن فقط روح الحنان بالنسبة لهما. لولاها لكان النجاح في الحياة تعيسا، كانت تتفهم آمالهما وأفكارهما، وتصغي إليهما بهدوء مطلق، وتجعلهما يريات الأشياء كما لم يرونها من قبل.

اثنان وخمسون عاماً هو العمر الذي عاشته ديمة عبد الصمد على هذه الارض قبل أن تسقط في بحر الغياب. في المستشفى كانت في زيارة لوالدها المريض، عندما أصبح المكان صوب البحر جاهزا للجنون، فجأة تحولت المدينة إلى غابة مرعبة، وفي لحظة غير منتظرة هجم الموت يخطف من أمام اعيننا من كانوا بالنسبة لنا زينة القلب، ونبضه الذي لا يهدأ. دخلت ديمة في غيبوبة استمرت ثمانين يوماً، قبل ان ترتعش روحها وتصعد إلى السماء، استراح الوجه الذي لم يكن الحب عنه يحيد. مطعونة في الظهر مضت ديمة في انفجار غدار.

Arabic