انصاف العطار

ولدت إنصاف راشد العطّار في بداية العقد الثّالث من القرن العشرين، وعاشت طفولتها وصباها في مدينتها بيروت وتعلّمت في مدرسة المقاصد إلى أن وصلت إلى المرحلة الجامعيّة حيث كانت من أولى الطّالبات اللّواتي تمكّنّ من دخول الجامعة اللّبنانية للتّخرّج منها بشهادة اختصاص العلوم السّياسية، وفي ذلك الوقت كانت نسبة النّساء اللّواتي يدخلن الجامعة نسبة قليلة جداً.

تعرّفت إنصاف على زوجها المصري والذي يحمل الجنسيّة اللّبنانيّة، إسماعيل السّيد، وانتقلا للعيش بعد زواجهما في الكويت حيث كان يعمل، و مكثا فيها حوالي ستّين عاماً.

لم تكن إنصاف عاديّة، هي مميّزة بكل ما تحمل الكلمة من معاني: كانت المرأة المعطاءة، الكريمة والمثقّفة والأم الحنون، المثابرة، النّشيطة، الأنيقة جداّ، والطّموحة التي تحبّ الحياة.

باتت الأناقة، في الشّكل والمضمون عنواناً لإنصاف لازمها طيلة الحياة. استطاعت من خلال ممارستها مهنة التّعليم في الكويت حيث درّست اللّغة الفرنسيّة، أن تثبّت نفسها كسيّدة قادرة على إنجاز كلّ المهام بحرفيّة واتقان. لم تدع مهنتها تقف أمام قيامها بمهام الأم على أكمل وجه، فكانت "إمبراطوريّة حاء"، كما كان يحلو للوالد أن يسمّيها، تسير بانتظام وتربيتها لابْنها وبناتها الثّلاث حازم، حنان، حنين وحزامي كانت خير دليل. أولادها يعتبرونها أفضل أمّ على الإطلاق.

بعد وفاة زوجها منذ تسع سنوات، عادت إنصاف للعيش في بلدها لبنان، وفي منزلها في الرّملة البيضاء، لكنّ ابنتها حنين جاءت بأمّها إلى منزلها في الجمّيزة منذ منتصف شهر آذار من العام 2020 عند سريان الإقفال العام بسبب جائحة كورونا، إذ أرادت الابنة الاهتمام بوالدتها والإشراف على صحتها.

في الرّابع من آب، وقع الانفجار المزلزل، وكانت الأم في منزل ابنتها في الجمّيزة، أصيبت على إثره إنصاف، وظلّت لفترة أربع ساعات تعاني من الإصابات التي نالت منها وهي في الحمام، إلى أن جاء الصّليب الأحمر عند العاشرة ليلا لنقلها إلى المستشفى. لم يحتمل جسدها العجوز مضاعفات الإصابة واستنشاقها الانبعاثات السّامة التي عمّت المنطقة من جرّاء المواد المتفجّرة، ففارقت الحياة في الخامس عشر من آب متأثّرة بجروحها.

أرادت عائلتها التّبرع بثيابها الجميلة والأنيقة إلى جمعيّة "فابرك ايد" من أجل أن تنتقل من بعدها إلى السّيدات اللّواتي يحتجن إليها، فيضفْن بعض الأناقة على أيّام سوداء يعشْنها، لتظلّ روح تلك الإنسانة الكريمة وأناقتها حاضرة في الأذهان وعلى الأجساد مطرّزة بإسمها كذكرى طيبة من سيدة استطاعت أن تجمع ما بين غنى الفكر، رقيّ السّلوك وأناقة الملبس.

Arabic