جورج ماضي هو من اولئك المغتربين الذين يعج سجلهم بالنجاحات. قبلهُ كان أبوه من أوائل اللبنانيين الذين وطأت قدمهم أرض غامبيا، البلد الافريقي الغني بثرواته الطبيعية.
في غامبيا ولد جورج ماضي قبل ثمانية وسبعين عاماً، وترعرع هناك قبل أن يرسله والده إلى مدرسة داخلية في بيروت مع أشقائه حيث درس، وحصل على إجازة في العلوم الاقتصادية.
في بقرزلا، قضاء عكار مسقط رأسه، كان يجد راحته. يقول أبناء القرية أن صوته كان يهلل فرحاً عندما يصل إليها.هناك كانت تتغير ملامحه، وحيثما ذهب كانت تستقبله الابتسامات النابعة من القلب. كيف لا وهو الذي كان اليد الحاضرة التي تمتد إلى كل محتاج ومغلوب على أمره!
بالرغم من مشاغله الكثيرة كانت بيروت محطته الدائمة. في شقته في الطابق العشرين في برج سكني في الاشرفية كان جورج ماضي يتنفس البحر. قهوة الصباح لم يكن يحلو له ان يرتشفها إلا بين الأصدقاء. كانوا بالنسبة له شمس ما تبقى من هذا العمر، والذي قضاه سابحا في المدى البعيد.
من يعرف جورج ماضي يعرف أنه كان كعقارب الساعة منظماً ودقيقاً. في حياته اليومية كان كالخبز الطازج متجددا دائماً.
وفي نشاطات الجاليات اللبنانية في الاغتراب لم يكن اسمه مجرد اسم على طرف الطريق. فهو كان قنصلا فخريا لغامبيا، التي يحمل جنسيتها أيضا، في أكثر من بلد أوروبي. في تمثيله لها لم يُسقط جورج ماضي وطنه لبنان من حساباته. فكان بالنسبة له هو ريشة الروح، هو الإنسانية بكاملها. كان يقول دائما: "إن لبنان لا يشبه غيره من البلدان التي عرفناها واللبنانيون كوكبة من المغامرين، والذين تفاخر بأنك واحداً منهم".
في حياة زوجته وأولاده كان جورج ماضي نبض الإيقاع ورائحة الحب. في ثمانين ترحاله، لم تكبر الطفولة في عيني هذا الرجل وقلبه. كان مسالما بطبعه، وفي قطيعة دائمة مع العنف."
في شتاء خبيث وصلت "الكورونا" إلى بيروت، ففضل جورج ماضي أن يلازم بيته. حيث اصبح من هناك يدير أعماله وأشغاله. لكن الأخير كان ما حصل في ذلك الرابع من آب المشؤوم، كان جورج يجلس على كرسي قرب واجهة البيت الزجاجية، ينظر صوب البحر. لم يكن يعرف انه بعد لحظات سيعانق الغياب وسيصبح كل شيء جاهزاً للجنون، ويأخذ معه اجسادا رماها في النعوش وتحت التراب.
وقع الانفجار الذي جلب فاجعة تعم المكان، ورحل جورج. مزق جسده الزجاج المتناثر من الواجهة، وكسرب طيور غاب في ألافق.