ابراهيم الأمين

هو الأصغر سناً بين أولاد علي أمين ابن بلدة "تولين" الجنوبية، الذي رحل عن جذوره الأليفة في الجنوب، للعمل في بيروت مبتعداً عن عطر الهواء والتراب.

باكرأ جداً حمل ابراهيم الهمّ مع والده واشقائه. إبتسامته الدائمة كانت تخفي وميض التعب الذي في عينيه. حلمه بإكمال دراسته تبخر باكرأ واندثر، فالشقاء ملعب الفقراء في هذا الوطن. رفاقه لم يألفوا غيابه بعد، استفاقوا ليجدوا أن صديقهم الشهم والوفي قد غاب في عتمة لايضيء فيها إلّا الدمع.

مؤمن كان ابراهيم، خشوع في صلاته، في الصباح الباكر، وقبل ان تسقط الشمس في البحر.

في الجامعة الاميركية في بيروت، عمل لمدة سنتين قبل أن يطاله ظلم الصرف الجماعي الاخير الذي اصاب العشرات من أمثاله من اصحاب الدخل المحدود. كان ابراهيم بلسماً لرفاقه في العمل، يخفف عنهم اليأس والضجر بعباراته المعهودة "يالله شو حلوه هالدني".

ابراهيم ابن العشرين عاماً امضى شهرين في البحث عن عمل آخر. كان فيهما الافق مفقلاً حيثما ذهب. البطالة حصار قاتل، فكيف اذا هبطت على عائلة تنسج لقمتها يوماً بيوم.

شقيق ابراهيم كان ايضاً عاطلاً عن العمل. دبر له والده عملاً في مرفأ بيروت، لكنه اعتذر عنه، واقترح على ابراهيم ان يحل مكانه.

غريبة هي تلك اللحظات التي يقترب فيها شبح الموت من شخص، فإذ به يختار في اللحظة الاخيرة شخصاً آخر!

في الرابع من آب،th في الإهراءات عمل ابراهيم بجدّ ونشاط، عاملاً مياوماً، بالرغم من أجره الذي لم يواز العرق المتصبب من وجهه الصغير.

كثيراً ما كان يعود إلى منزله ولهاثه يسبقه، لكن ابراهيم لم يفلت غضبه يوما،ً وبقي صابراً قانعاً، بإنتظار الحصول على فرصة أفضل. "في الرابع من آب، كانت الثالثة من بعد الظهر، عندما عاد من عمله. كان سعيداً بالرغم من ان شيئاً لم يتغير في واقع حياته، تناول الطعام بنهم قبل أن يأتيه اتصال: انهم بحاجة إليه للعمل ساعات اضافية لقاء خمسة الاف ليرة للساعة، فقَبل.

ماهي إلا ساعات قليلة حتى دوّى الانفجار، وظهر لهب من نار فوق المدينة وتجمّع.على الفور، توجه اشقاء ابراهيم الى مكان الرعب. بدا المرفأ وكأنه سفينة محطمة ومقلوبة وكانت رائحة الموت تحاصر المكان. عبثاً بحثوا هناك عن ابراهيم وفي المستشفيات، فقرروا الاعتصام بالقرب من المرفأ. بقيوا عدة ايام، حتى تم العثور عليه تحت الانقاض: يداه ضارعتين نحو السماء ووجهه الجميل قد أتت عليه النيران."

Arabic