نذرت نفسها لخدمة المرضى ومساعدتهم على تخطّي آلامهم ومعاناتهم لأنّها أحبّت مدّ يدّ العون لكلّ من يحتاجها.. وكان همّها الأوحد أن ترعى والدتها المريضة وتُعيلها باستمرار، غير أنّها لم تكن تعلم بأنّ تخطّيها انتهاء دوام عملها لسبع دقائق فقط سوف يقضي على تمنياتها وحياتها.
جاكلين هي الرابعة بين أولاد عائلة جبرين المؤلّفة من 3 فتيات و3 شبّان. كانت طفلة ناعمة وتلميذة ذكيّة، تلقّت دروسها في مدرسة مار الياس- سنّ الفيل. توظّفت بعد ذلك في مستشفى الوردية - الجمّيزة، وعملت كممرّضة واستلمت الطابق السابع المخصّص لقسم السرطان وترميم الثدي الذي افتُتح منذ عام..
لم يُكتب لهذه الممرضة الخمسينية الحسنة الأخلاق، وصاحبة القلب الطيّب أن تتزوّج وتُصبح أمّاً، لكنّها كانت "خالتو" و"عمتو" محبّة وحنونة مع أولاد أخواتها. أحبّتهم وبادلوها هذا الحبّ، وكانوا يملأون دنياها في أوقات فراغها.
لم تكن تتمنّى شيئاً لنفسها، لم تفكّر يوماً بالسفر أو بالقيام بأي شيء آخر خاص يُفرحها. فأكثر ما كان يهمّها في هذا العالم هو الإهتمام بوالدهنا ندى. فقد أصبحت جاكلين المعيلة الوحيدة لوالدتها بعد وفاة والدها منذ أربع سنوات وسفر ثلاثة من أخوتها الى الخارج وزواج اللذين بقيا في لبنان. حتى هذا الأمر الأحبّ الى قلبها سُرق منها ومن والدتها التي تبكيها اليوم بحرقة على غفلة.
يوم الثلاثاء استيقظت "جاكي" ابنة الخامسة والخمسين باكراً كالمعتاد، وذهبت الى عملها. كان دوامها من الثامنة وحتى السادسة مساءً. “
لا أدري لماذا تأخّرت في مغادرة المستشفى” يتساءل أخوها" ، لربما كانت تنتظر مجيء زميلتها التي ستحلّ مكانها”. أخبروه أنّه لدى اندلاع الحريق، وقفت وزميلة لها تنظران من الزجاج الى مرفأ بيروت الذي يبعد نحو 300 متر عن المستشفى، مثلما فعل كلّ أهالي منطقة الأشرفية. دوى الإنفجار الأول، فتحطّمت النوافذ وتطايرت الأبواب والمعدّات الطبيّة، لكن الثاني رماها بعيداً وارتطم رأسها بالحائط. سقط جدار الغرفة عليها، أسرع طبيب الطوارىء محاولاً إنقاذها، أخضعوها للإسعافات الأوّليّة لكنّهم لم يستطيعوا شيئاً، لم تتجاوب معهم. حصل لها نزيف داخلي من قوّة الإنفجار، فتوفيت على الفور.
أصيب عدد من الراهبات والممرضات في سائر طوابق المستشفى بجروح مختلفة ذلك المساء لكنّهنّ نجون، باستثناء جاكلين التي رَحَلَت بصمت وكأنّها فَدَت الجميع بروحها الطاهرة.