كمال كفا

هو ابن عين تنتا في عكّار التي هي خزّان العسكر في الجيش اللّبناني. يأتي أبناؤها إلى المؤسّسة العسكريّة حاملين طاقتهم على البذل والتّضحية حتّى الاستشهاد. هكذا هو كمال كفا.

أكثر من نصف عمره أمضاه كمال كفا ابن الأربعين عاماً في المؤسّسة العسكريّة. دخلها بعد نيله شهادة الثّانوية العامّة، وتدرّج في التّرقية حتّى وصل إلى رتبة مؤهّل.

حلمه بالتّرقية إلى رتبة ملازم، الذي درس واستعدّ له جيّداً تحقّق، ولكن بعد أن ارتقت روحه إلى السّماء، تاركاً وراءه ثلاثة أطفال وزوجة يكاد يذبحهم الفراق.

أطفاله كانوا بالنّسبة له أطيب ما في الحياة. كانت زوجته المرأة المنضوية في قلبه، يزهو بها كما يزهو الرّبيع بأزهاره."

كان بالنّسبة لأهل بلدته كروعة الأزهار، كأسلاك الضّياء منفتحاً على الجميع في حكمته ورجاحة عقله. كان كمال مفتاح الحلول لكثير من المشاكل التي تحدث، يصغي طويلاً قبل أن يقول رأيه، هادئ بطبعه من الصّعب أن تخرجه عن طوره موجة حزن أو غضب.

في حياته كان كمال كفا سماء وماء بالنّسبة لرفاقه في المؤسّسة العسكريّة. عيناه تلمعان عزماً يقودهم في المهمّات الصّعبة. كان مشروع شهيد في كلّ لحظة. ""سأسقط شهيداً"" قالها قبل أيّام معدودة من رحيله لشقيقه، والذي خدم قبله في المؤسّسة العسكريّة قبل أن يتقاعد." في ذلك النّهار الذي سبق الحادثة. استيقظ كمال باكراً، كان نشيطاً كعادته. قبّل أطفاله بحرارة قبل أن يمضي إلى مركز عمله، وكأنّه كان يعرف أنّ شيئاً اقوى من الحبّ بانتظاره، ألا وهو القدر الذي حمل جسده إلى التّراب في لحظة غير متوقّعة وبكثير من الصّخب. أيّ صيف خبيث أتى هذا العام حاملاً معه الصّقيع لأرواح مازالت تحلو لها الشّمس بعد؟

في ذلك الإثنين، وبحسب الجدول المقرّر كان من المفترض أن يعود كمال إلى منزله عند المساء. طول المسافة بين بيروت وعكّار دفعه للتّفكير في البقاء في مركز عمله. اتّصل برفيقه الذي كان من المفترض أن يحلّ محلّه وأعلمه برغبته في البقاء في مركز عمله حتى صباح الأربعاء.

نهار الثّلاثاء في الرّابع من آب، كان كل شيء يسير طبيعيّاً قبل أن يحدث ذلك الكرنفال الدّموي الرّهيب. تصاعد الدّخان فجأة من أحد العنابر، اتّصل الضّابط المسؤول، طلب من المؤهّل كمال كفا إرسال أحد عناصره لتقصّي الموضوع. أجابه كمال بهمّة عالية :"أنا أذهب سيدي".

ذهب كمال ولم يعد، مازال هناك ينتظر من يوقف هذه المهزلة، قبل أن تتحوّل الحقيقة إلى رماد.

Arabic