قاسم المولى

وُلد قاسم يوسف المولى قبل سبعة وعشرين عاماً في بيت متواضع ماديّاً. هو الابن البكر لعائلة مكوّنة من أربعة إخوة، لكنّه حظيَ بمكانة خاصّة عند والديه لأنّ ما ميّزه كان الاحترام الذي عاملهما به.

مسؤوليّة قاسم تجاه أهله جعلته إنساناً هادئاً ومتّزناً ، لا يخطو خطوة دون استشارة والده. علاقة مميّزة جمعت الأب والابن ""كأنّنا أصدقاء""، على حد قول الأوّل.

الحياة الاقتصاديّة الصّعبة لم تدع قاسم يُكمل تعليمه. جعلته ينضج باكراً فعمل في ميكانيك السّيارات، وفي النّحاس .. إلى أن وصل إلى مرفأ بيروت ليعمل سائق شاحنة لإحدى الشّركات."

وما يميّز قاسم أنّه شاب أمين ومخلص فهو يعمل من الثّانية ظهراً وحتى السّادسة صباحاً دون كلل أو ملل. طالما يؤمّن عمله قوته وعائلته لم يكن يأبه للوقت الذي يقضيه في العمل.

قاسم المحبّ لعائلته، كان أقصى طموحه أن يرى الجميع بخير دون الحاجة لمد يد العوَز لأحد، وطموحه في إسعاد والده الرّجل الخمسيني تجسّد بسحب قرض من أحد المصارف ليشتري لأبيه سيّارة يعمل عليها كسائق تاكسي.

كما تميّز عن أبناء جيله بأنّه كان حامداً وشاكراً ومتفائلاً وغير متكبّر..." قبل انفجار مرفأ بيروت بيوم واحد، نزل الوالد ليرى قاسم بعدما قضى عشرة أيام في البقاع، فأمضَيا الوقت سويّاً.. لم يُبعد قاسم ناظريه عن أبيه.

في اليوم التّالي كان يوسف يعمل أمام منزله، عندما شعر فجأة بصدره ينقبض.. علم من أخته أنّ انفجاراً وقع في مرفأ بيروت. حاول عبثاً الاتصال بقاسِم، اتّجه فوراً إلي المرفأ وفي أذنيه صوت قاسم ينادي " يا بيّي"... في المرفأ كل المداخل مغلقة، لم يُسمح ليوسف بالدّخول، فذهب مع ذويه إلى المستشفيات لكن بلا جدوى. وبعد مضي سبع ساعات، تسلّمت العائلة جثّة كانت تشبه قاسم لدرجة استحال التّمييز أنّه لم يكن قاسم، ليتبين بعد غسله وتكفينه من علامة في الظهر أنّه ليس قاسم، فأُعيدت الجثّة إلى المستشفى، وعاد الأمل لدى زوجة وأهل قاسم بأن يكون على قيد الحياة.

صديق العائلة الذي استنجد به الأب تمكّن من الدّخول إلى المرفأ والعثور على قاسم لكنّه كان قد أسلم الرّوح. التّقرير الطّبي من مستشفى الحريري أكّد أنّ قاسم قضى بنزيف حاد.

قاسم الذي تزوّج قبل تسعة وعشرين يوماً من الإنفجار، لم يكمل شهر العسل، لكنّه زُفّ عريساّ مرّتين في أقل من شهر.

Arabic