خضر بدر

خضر شفيق بدر: عندما تسأل عنه يجيبك كل من عرفه وعاشره أنّه كان ودوداً ولطيفاً، بنفس الوقت كان صاحب مبدأ في تعاملاته كالحديد الصّلب.

عائلته كانت الأولوية في حياة خضر، زوجته فاطمة كانت شغف الحنين بالنّسبة له. أولاده السّتّة حبّه لهم كان كالجمر المشتعل في الموقدة. أحفاده كانوا كالزّنابق حوله، و كالنّحل في الزّهر. أمّا اليوم فتحوّلت الحياة من بعده إلى حقل قاحل. كان أباً مختلفاً وجميلاً.

في حياة خضر بدر تسكن أكثر من حكاية لعلّ أكثرها إثارة هي تلك التي لامست فيها روحه يوماً نفق الغياب ولكنّ العناية الإلهيّة تلقّفته في آخر لحظة، و أعادته إلى شمس الحياة. كان عائداً من رحلة عمل في تركيا مع ابن عمّه عندما انقلبت بهما السّيارة على الحدود اللّبنانية السّورية، واستقرّت على حافّة واد سحيق. جاء من هو كريم الأصل في اللّحظات الأخيرة وكأنّه هبط من السّماء وعمل مع رفاق له على إخراجِهما من الورطة التي وقعا فيها، ليتوارى بعد ذلك فجأة كما حضر دون أن يعطي مجالاً ل "خضر" أن يعبّر له عمّا يختلج في قلبه من شكر وامتنان.

دروب الحياة صعبة ومتعرّجة، ما أطول تلك اللّيالي التي قضاها خضر يفكّر مع زوجته بمستقبل أولادهما. فالوظيفة وحدها لم تعد تكفي، ومن يعتقد غير ذلك يكون كمن يطارد غيمة أو حلماً.إلى العمل في التّجارة قرّر خضر الاستدارة فافتتح له متجراً لبيع الملابس في منطقة الطّريق الجديدة وبسرعة تغيّرت أشياء كثيرة في حياة خضر وعائلته نحو الأفضل. واللّافت أنّ النّجاح الذي أصابه لم يحتكرْه لنفسه، بل سكب منه أيضاً في كأس اشقّائه، عاونهم في تدبير أمورهم، وكان لهم معيناً وسنداً.

دائماً في حياة البشر تبقى اللّوحة ناقصة فيداهمُنا المرض ويسجنُنا في داخله ويخطف ابتسامتنا. هذه كانت حال خضر مع مرض السّكري الذي تدرّج في خلايا جسده حتى أصبح العلاج في المستشفى أمراً لايحتمل التّأجيل.

دخل خضر إلى المستشفى، وهو يحتضن الأمل بالشّفاء. لم يكن يدري أنّه بعد عدّة أيّام سيودّع الوجوه التي يحبّها وأنّه في لحظة غير متوقّعة سيغلق الكتاب آخر صفحاته ويمضي.

في لحظة كان خضر فرحاً أنّه سيخرج من المستشفى بعد أيّام. هبّ الجنون فجأة واختلطت الدّماء برذاذ البحر،تقطّعت شرايين خضر من جرّاء الزّجاج المتناثر. بعد أسبوع من المعاناة، انتقل خضر تاركاً لنا ستّة وستّين عاماً هو عمر لم يتوقّف خلاله عن العزف حُبّاً وحناناً لكلّ عارفيه.

Arabic