كأنه لم يكن يكفي لفقراء العاصمة بيروت الازمات الاقتصادية الخانقة وانعكاساتها، وعدم قدرتهم على تأمين حاجاتهم الاساسية جرّاء التضخم المالي، ليأتي الرابع من آب ويحوّل حياة العديد من الأشخاص في لبنان إلى كابوسٍ بعد انفجار مرفأ بيروت الذي تسبب بوفاة المئات وإصابة الآلآف. ومن بين الذين تأثروا بشدة بسبب هذا التفجير كان كيفورك بولاطيان، لبناني الجنسية، يقطن في برج حمود ويعمل سائقًا للتاكسي، ويعيش بمفرده بعد ان هجرته زوجته وابنته، ليعيش وحيداً في الحياة مع روتينه اليومي.
قد تكون إصابة كيفورك في انفجار مرفأ بيروت، تختلف عن غيره من المصابين، ليس من ناحية حجم الاصابة بل لكونه واجهها وحيداً في مبنى غريبٍ عنه من دون أي معيل وسط الرعب الذي شعر به والدمار الشامل من حوله.
يستذكر كيفورك ذلك اليوم المشؤوم الذي لا يمكن ان ينساه، ان بيوم الذي وقع فيه الانفجار كان يساعد ابن شقيقتيه والذي يعمل بالخياطة, وذلك عبر توصيل الثياب لزبائنه مقابل بدل مالي،كالمعتاد على أمل الحصول على ركابٍ في الطريق وبالتالي على نقودٍ اضافية. وخلال صعوده الى ذلك المبنى الغريب لأخذ الطلبية، يقع الانفجار، يقول هنا كيفورك الذي اعتقد أن صاروخاً أصاب المبنى:" لشدة قوّته طيّرني فكرت حالي متت"، ليعيش لحظات رعبٍ بعد الساعة السادسة وسبع دقائق حين وقع فيها الانفجار ويحوّل حياته الى جحيمٍ ويدمّر سيارته.
الوحدّة التي عاشها كيفورك في تلك اللحظات كانت أصعب من إصابته، لكنه تغلّب على اوجاعه ومشى لوحده الى أن وصل الى أخيه الذي كان يسكن بالقرب من تلك المنطقة, ونقله الى مستشفى سيدة لبنان, حيث أجريت له الفحوصات الضرورية، وأخبره الطبيب المعالج بأنه مصاب في كتفه وعليه أن يرتاح في المنزل, وانه لن يقدر ان يرجع الى عمله في الاجل القريب. كيفورك الذي كان يعاني من صعوبة وضعه المالي، انتابه شعور بالكآبة بعد اصابته التي أفقدته عمله ودمرت سيارته، وهو بالاصل لا يملك اي وسيلة أخرى لكسب المال، الأمر الذي وضعه في دوامة الخوف من العوز والمرض والتشرد أمام باب المستشفيات، وفي الوقت الذي لا يستطيع تحمّل نفقات اصلاح سيارته.
يقول كيفورك الذي فقد ما يقارب 20 كيلو من وزنه، أن الدولة اللبنانية تكفّلت بعلاجه كما ساعدته منظمات دولية. لكن، على الرغم من كل الإحباط الذي كان يشعر به إلا أنه لم يفقد الأمل، فبعد مرور عام على الحادثة، تمكن من الحصول على وظيفةٍ ك"حارس أمني"، حيث يعمل حالياً وبفخر يقول: "الشغل مش عيب" للدلالة على اصراره بأن يكمل حياته على الرغم من أن الراتب غير كافٍ واصفاً وضعه المادي بصفر.
يصر كيفورك ان من الدولة بكامل اركانها كانت السبب لما وصل اليه اليوم, وانها هي كانت الجهة المسؤولة عن التفجير, فمن قتل الضحايا هم المسؤولين ومن اصاب الجرحى هو فسادهم واهمالهم. على قدر الخسائر التي تكبدها كيفورك والظلم الذي تعرض له الا انه يطلب العدالة والمحاسبة والتعويض عما حصل له جراء انفجار مرفأ بيروت .