نور حياة والدتها هند وعائلتها، انطفأت شعلتها في عزّ الشباب في مساءٍ مظلمٍ، في مؤسسة يُفترض أن تُنير حياة الناس. فلم تكتب الخبر بل أصبحت هي الخبر المؤلم.
هي الأخت الصغرى لثلاثة أخوة من آل طوق، يوسف، ميشال (شهيد في الجيش اللبناني سَبَقَها على طريق الشهادة) وغسّان. عاشت "ميشلين"، كما تُنادى وسط العائلة والأقارب، مدلّلة في طفولتها. كانت حنونة، عاطفية ومحبّة، وتلميذة مجتهدة ومتفوّقة. حملت معها هذه الصفات الحسنة عندما كَبِرت وشقّت طريقها بعد أن تخرّجت من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية بتفوّق. عَمِلت كصحافية في مجلة العبور، ثمّ سرعان ما وجدت ضالتها في مؤسسة كهرباء لبنان حيث توظّفت منذ 14 عاماً، وأصبحت المستشارة الإعلامية فيها، المتفانية التي لا تُغادر مكتبها قبل انتهاء عمل مديرها العام كمال حايك حتى ولو طال لساعات المساء.
كلّ من عَرَف ماري إبنة بشرّي أحبّها لتواضعها رغم تميّزها بقوّة الشخصية وبكرم الأخلاق. كانت شامخة في تواضعها ومتواضعة في شموخها، و"قدّيسة بلا ثوب"، على ما وصفها المونسينيور جو فخري خلال تأبينها، هي المؤمنة والمتديّنة والملتزمة بالكنيسة وبتعاليمها التي انضمت الى الحركات الدينية في مراهقتها. لم تُزفّ عمتو ماري عروساً لكنّها كانت بمثابة الأم الثانية لأولاد أخيها غسّان الثلاثة: ديب هنادي وميشال الذين بادلوها الحبّ وتعلّقوا بها لانفتاحها وقربها منهم.
حقّقت حلمها على الصعيد المهني كموظّفة بمنصب رفيع وعكست صورة جيّدة عن المؤسسّة ولم تكن متحيّزة سياسياً، بل كان اسمها يساوي "الوطن". بدت سعيدة في حياتها، لكنّها لم تتمكّن من رؤية وطنها الحبيب، كما حلمت، بلداً أفضل لمستقبل الجيل الجديد وللمجتمع ككلّ.
تتمنّى والدتها وعائلتها لو تستطيع معرفة ماذا حصل معها في مساء ذلك الثلاثاء المُظلم. فقد ذهبت "ميشا" الى عملها كالمعتاد، وبقيت هناك. عندما دوى الإنفجار المزلزل ودمّر المبنى المقابل للمرفأ، علمنا من الموظّفين، على ما يروي أخوها غسّان، أنّهم راحوا يُنادون بعضهم البعض. لم تُصدر ماري أي صوت، فَقدت حياتها على الفور، فَفَقد الجسم الإعلامي زميلة شكّلت مرجعاً للمؤسسات الإعلامية عن شؤون وشجون الكهرباء.
نقلها الصليب الأحمر الى المستشفى، ونقل الخبر المُفجع الى عائلتها فصُدمت ولا تزال تعتبر كلّ يوم، "4 آب". وجُلّ ما يُعزيها أنّها تركت بصمة مضيئة رغم سواد المشهد.