تغرّب منذ 35 سنة. وعاد إلى بلده الحبيب لبنان ليستقرّ فيه مع عائلته في ظلّ تفشّي جائحة "كورونا" في أفريقيا. وكان على وشك إنشاء جمعيّة لإنماء بلدته بجّة- جبيل. لكنّ أحلامه تحطّمت في بلدٍ لم يُقدّم له سوى الموت و"البهدلة. نعمة الله هو نعمة من عند اللّه لآل مخيبر، ليس لأنّه الإبن الوحيد على ثلاث بنات هنّ بريجيت، كارول وسابين، بل لأنّه منذ الصّغر شكّل سنداً لأفراد عائلته. لم يكن مدلّلاً بل عومِل كأخواتِه. كان طفلاً نشيطاً، مدبِّراً، و"قبضاي"، درس في مدرسة "الفرير" الجمّيزة. وفي العطل الصّيفية أبى إلّا أن يعمل ويُنتج. سافر في السّادسة عشرة إلى بودابست وتخصّص في هندسة الميكانيك ثمّ عاد. حصل بعدها على عمل في مونروفيا / ليبيريا في إحدى المطابع، فهاجر وأمضى فيها عشر سنوات. ثم انتقل إلى زامبيا حيث أسّس مطبعة مع بعض الشّركاء. عُرف بهدوئه، وتفهّمه. أحبّ العمل اليدويّ، على ما تُخبر والدته سعاد، كان لا يترك أيّ شيء "خربان في البيت إلّا ويُصلحه". حَلُمَ بتأسيس عائلة وقد وجد شريكة حياته رَشاد وأحبّها وتزوّجا في العام 2002 وهاجرت معه لمدّة 15 سنة أنجبا خلالها نور (16 عاماً) وأنطوني (14 عاماً). في أواخر أيّار الماضي عاد إلى لبنان بسبب انتشار "كورونا" وقرّر عدم المغادرة، وكانت قد سبقته العائلة منذ 3 سنوات. "كان خائفاً علينا"، تقول زوجته، ولأنّ القطاع الصّحّي في أفريقيا غير مجهّز. قبل أيّام من الإنفجار جمع شباب بجّة ونسّق معهم لتأسيس الجمعيّة، وكان على وشك تسجيلها في الدّولة. ويوم الثلاثاء المشؤوم كان في منزله مع العائلة، ودخل ليستريح. دوّى الإنفجار الأوّل فاهتزّ المبنى، أسرعت رشاد وأيقظتْه فقام مذعوراً. دوّى الإنفجار الثّاني، ضُرب رأسه في الحائط، وجُرحت يداه. بقي صامداً لمدّة دقائق معدودة لكنّه شعر بدوار شديد وكان ينزف. ركضت نور وساعدت في ربط يديه. نزلوا من البيت. أوقفوا سيّارة نقلتهم إلى مستشفى الرّوم ثم إلى أوتيل ديو فلم يستقبلوه. في مستشفى جبل لبنان اهتمّوا به على الفور، لكنّهم لم يتمكّنوا من إنقاذه. توقّف قلب نعمة على الطّريق، ومنذ ذلك الوقت تعيش العائلة كابوساً بدأ مع خسارته على غفلة ولم ينته بعد. أمّا حلمه بإنشاء الجمعيّة، فلن يتوقّف إذ وعدت باستكمالِه فور استجماع قواها من مصابها الأليم.