نانسي مطر

لم تكن تعلم نانسي تلك الشابة الثلاثينية الناشطة في عملها ومجتمعها، والبعيدة عن المشاكل السياسية وتجاذباتها الصاخبة، أنها ستنضم إلى قافلة مصابي الرابع من آب من عام 2020.

تقول نانسي أن كل ما يهمها هو عائلتها وعملها وأن تعيش حياةً هادئة. "عم فكّر شو ممكن قول ما عم بقدر! شعور كتير بشع وصعب وقاسي وظالم.. في امّهات و آباء و اخوات و ازواج عم يبكوا دمّ كلّ يوم مية مرّة على فراق الأشخاص يلي بحبوهم..لليوم العدالة ما تحقّقت! هالنهار كابوس كلّ يوم عم عيشو: الانفجار والدّمار والدمّ والصّريخ والوجع والأصوات والمشاهد اللي شفتا ما عم تفارق ذاكرتي!".

هذه هي حال نانسي التي لا تزال تعيش تفاصيل ذلك اليوم الأسود من تاريخ العاصمة بيروت حيث ولدت وتحديداً في منطقة الأشرفية التي كانت تضج بالحياة والمشاريع. بعد أن نالت شهادتها الجامعية في اختصاص ادارة الاعمال توظفت في بنك عودة.
يوم الرابع من آب، كانت نانسي في منزلها الكائن في منطقة الأشرفية، عندما انفجرت كمية 500 طن من نيترات الأمونيوم في عنبر 12 في مرفأ بيروت، وتخفيها تحت الركام وتصيبها باصاباتٍ متفاوتة ودموية.

تخبر نانسي انها كانت في هذه الأثناء في المنزل تعّد الطعام حين سمعت صوتاً غير اعتيادي آتٍ من الخارج، لكن ما أن خرجت لمعرفة ما يحصل، حتى وقع الانفجار تبعه ضغط قوي فتدمرت العاصمة فوق أبنائها. ما هي الا لحظات حتى تغيّرت معالم المنزل، لا شيء في مكانه، وكذلك نانسي اختفت، إلا أن عمها عثر عليها تحت الركام تسبح في دمائها، نقلها الى مستشفى سان جورج في عجلتون بعد تعذر استقبالها في مستشفيات المدينة. بعد الاجراءات الطبية، تبين بأنّ عينها اليسرى تضررت بعد أن غرز الزجاج فيها، وعلى الرغم من اجراء العمليات المطلوبة ومع مرور سنتين لا تزال الرؤية غير واضحة كما لا تستطيع التحديق مطولاً.

نانسي المؤمنة التي تحمل أوجاعها بصبرٍ وحكمة، لا تزال آثار الجروح واضحة على وجهها وجسدها، وهي شاهدة على هول التفجير الذي لم ولن يندمل من ذاكرتها.

نانسي التي عادت من الموت تشكر الله على ذلك، و تُكمل حياتها على الرغم من كلّ الجروح و الألم و تطلب يومياً من الخالق تحقّيق العدالة والاتيان بالحق للشعب اللبناني وللمصابين ولأهالي ضحايا و شهداء المرفأ، الذين يعيشون تحت وطأة حكّام فاقدي الضمير، بلا رحمة وكرامة.

Arabic