في دير الزّور السّوريّة وُلدت نوال حمدان، وعاشت طفولتها بين البساتين والبراري، حيث النّاس يبتسمون دون تكلّف. كانت متجذّرة بالتّراب، تخرج مع الفجر للزّرع والرّي، ولا تعود إلى منزلها إلّا والدّنيا قد أصبحت غروباً. جميلة وذكيّة كانت في طفولتها. كل من عرفها أحبّها، وأجمل الحبّ هو الذي يأْتي كهمسِ الياسمين. في نهار صباحيّ دافئ، وفيما كانت نوال تتهيّأ للخروج، جاء ابن عمّها، قال لها: "سأمشي معك إلى الحقول. وأردف بعد برهة: "نحن بحاجة إلى بعض في الحياة". وكأنما نوال كانت تنتظر أن يأتي يوم يحملها علاء إلى بيته، وأن يجعل من قلبه مكاناً لأحلامها الدّافئة.
لم يمضِ وقت طويل على زواج نوال من إبن عمها حتّى كانت تضمّ طفلها الأوّل إلى صدرها.
ولأن الحياة حُبلى بالمفاجأت، فجأة تحوّلت سوريا إلى ساحة للموت اليوميّ. احتل قراها ومدنها دواعِش التّخلّف والهمجيّة. حكموا، وتسلّطوا، وظلموا. كان على نوال أن تتحمّل كلّ ذلك بغياب زوجها الذي كان قد غادر إلى لبنان قبل وقت قصير للعمل. في قريتها حيث كانت تسكن، أخذ الدّواعش مجدهم في ابتداع الفوضى ومنعوا النّاس حتى من الخروج والمغادرة.
أربع سنوات قبعت فيها نوال في منزلها بعيدة عن زوجها، وهي تحتسي من كأس الصّبر. تتمعّن في وجه طفلها وتسأل نفسها إلى متى ستتحمّل كل هذا. ولأن ما من قوّة تستطيع أن تهزم حبيبيْن، قرّر علاء العمل على إحضار زوجته وطفله إليه وبأيّ ثمن.
في الأشرفيّة حيث سكنت، كانت نوال كمطر لطيف بين جيرانها. وبإمكانات ماديّة ضئيلة حاولت أن تبني حياتها من جديد مع زوجها وأن تنسى كلّ اليباس الذي عاشته قبل هروبها من قريتها. بسرعة تأقلمت مع حياتها الجديدة .كانت تنهض في الصّباح الباكر بكامل حيويّتها، تضمّ أطفالها إلى صدرها ليبدأ بعد ذلك نهارها في مساعدة زوجها في المبنى الذي يعمل فيه كناطور.
في الرّابع من آب، ذلك النّهار المشؤوم، لم تكن نوال تدري أنّها ستستسلم للموت بين جدران المدينة وطرقاتها بعد أن نجت منه من بين سيوف الحقد والتّخلّف.
كانت في غرفتها البسيطة في المبنى الذي يعمل فيه زوجها عندما قذفها الموت بعصا من جمر فتحوّل قلبها إلى صقيع وهو لايزال في ربيعه التّاسع والعشرين.