"جدّو نيكولا" لم يكن طاعناً في السّن.. أصبح جَدّاً حديثاً لابنة ابنته كارلي (سنتان ونصف)، ولإبن إبنه نيكولا الصغير(5 أشهر ونصف. كما أنّه لم يكن ثقيل الخطى، إلاّ أنّ جريمة تفجير مرفأ بيروت جعلته بطرفة عين يُصبح عاجزاً عن السّير على قدميه فلم يُفلح في إنقاذ نفسه ورفيقة دربه.th of August criminal explosion, robbed him of his ability to walk in just few moments, he couldn’t save himself.
كان رجلاً ستّينيّاً، قويّ البنية، جميل المحيّا. يصفه إبنه جو بالأب الأكثر من مثالي، والدّائم الإبتسامة والحاضر دائماً للمزاح وإطلاق النّكات. فَقَد عمله كمشرف في شركة للإعلانات (غروب بلاسْ) منذ سنة، ولم ييأس، بل بقي محبّاً للحياة. بدا مطمئنّاً عندما عاد للصلاة في كنيسة مار يوسف- الحكمة بعد أن انقطع عنها طويلاً، ومسروراً بمتابعة محاضرات "التّنشئة للبالغين" متعرّفاً أكثر على يسوع المسيح من خلال الكتاب المقدّس.
عند اندلاع الحريق في مرفأ بيروت، كان نيكولا يَهمّ لاصطحاب كلبه في نزهة لكنّه تريّث. دخل إلى غرفة النّوم لانتعال حذائه، ثمّ دوى الإنفجار الكبير. سقط إطار النافذة الألومينيوم على قدميه. ركض ليتفقّد زوجته التي هرولت إلى غرفة الجلوس للاستماع إلى الأخبار، فوجدها جريحة تحت ركام الأبواب وأثاث المنزل المحطّم.. سارع لإنقاذها ثمّ شعر فجأةً بأنّه لا يستطيع السّير، قدماه تنزفان.. طلب منها، على ما أخبرت نايلة، الذّهاب إلى مستشفى الرّوم القريبة من منزلهما لتضميد جروحها، على أن يلحق بها. خرجت من المنزل وسارت لنحو دقيقتين، بدت مصدومة من رؤية الدّمار والخراب من حولها. في البدء ظنّت ونيكولا أنّ صاروخاً أصاب المبنى حيث يقطنان، ولكن سرعان ما اكتشفت أنّ الكارثة ألمّت بجميع سكّان الحيّ، لا بل المنطقة بأكملها. نظرت خلفها فلم تجد نيكولا، راحت تسأل الجيران عنه، لم يره أحد. ولمّا لم تجده عادت أدراجها إلى المنزل تبحث عنه، فوجدته جالساً على فراشه سابحاً في بركة من الدمّ. حاول ربط الوريد الذي انقطع بحزام، لكنّه لم يتمّكن من وقف النّزيف.
نَزَف نيكولا حتّى الموت في مساء ذلك الثّلاثاء المشؤوم فرَوى بدمه أرض المنزل والوطن، دون أن يرى حفيده الرّضيع يكبر ويُناديه "جدّو"، وقبل أن ينتهي من بناء منزل العائلة في الجبل الذي كان يحلم بالاستقرار فيه لبقيّة حياته.. لقد لفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصول نجله جو أو ابنته ميليسّا لنجدته، فمن يوقف نزيف عائلته المفجوعة المستمرّ على فقدانه؟!