لم تكن نوال أو بحسب الأوراق الثبوتيّة صباح تلك السّيدة التي خنعت للقدرِ القاسي، هي التي كانت تصنع قدرها بيدها. لكن ذلك الرّابع من آب لم يكن قدراً، بل مشيئة أشرار مهملين سلبت من نوال حياتها، فغدرت بهذه السّيدة الجبّارة التي دفعتها مآسي بلدها إلى البحث عن أمان مفترض في بيروت.
الحبّ والعطاء اللّذان سكبَهما فيها والداها جوليا ومرهج مرهج، أعادت توزيعَهما على أشقّائها ومن ثمّ زوجها وأبنائها. لم تقوَ العراقيل على إرادة نوال في الصّمود، فبعد أن هاجر زوجها من سوريا لأسباب سياسيّة متّخذاً من لبنان ملجأً له، عاشت نوال التي أصبحت أم جميل، مع أطفالها في حماة مُتحدّية الشّدائد. بعد غياب عقود من الزّمن عاد فريد إلى سوريا، لكنّ عائلته لم تنعم بوجوده طويلا، رقد على رجاء القيامة في وطنه الأم بعد قُرابة ثلاث سنوات. لكنّ المصائب لم تأتِ لنوال فرادى، حادث سير مأساوي لنجلها جميل أنهى حياته وهو كان لا يزال في عزّ شبابه عام 2003. بكت، حزنت، تصبّرت وكابرت على جراحها وغصّتها وأكملت حياتها فكانت كالسّيف واقفة تدعم بناتها وأحفادها.
الأحداث في سوريا حملتها إلى لبنان مع ابنتها فدوى حيث سكنت معها في بيروت. أم جميل الإسم الأحبّ إلى قلبها، كانت بمثابة الوطن لابنتيْها، ومنبع البركة والأمن والحنان، من دونها تفقد الطمأنينة طريقها إليهما، أعطتهما من الضّعف قوّة ومن حزنها عظة وثبات.
في 23 تموز أُدخلت صباح إلى مستشفى الرّوم لتلقّي العلاج إثر عارض صحّي ألم بها، وكان من المزمع أن تخرج من المستشفى يوم 5 آب بعد أن تعافت كليّاً. ولكنّ يد الغدر غيّرت تاريخ الأحداث، انفجر العنبر 12 في مرفأ بيروت وهوت إحدى الواجهات الزّجاجيّة على نوال، استوطن الزّجاج في رأسها وعنقها. وبسبب تعذّر وصول الصليب الأحمر وصلت نوال بواسطة إحدى السّيارات بنبض يكاد يكون معدوماً إلى مستشفى خوري حيث أُجريت لها الإسعافات الأوليّة، ولكن محاولات إنقاذها باءت جميعها بالفشل. رحلت نوال مسطّرة بالدّم مسيرة حياة غنيّة بالتّجارب والتّحدّيات ملؤها الأحزان لكن العفّة والمحبّة والأخلاق الحميدة ستُبقي ذِكرها مؤبّداً، وما عزاء أهل البيت إلّا صورة نوال الوديعة، المحبوبة ترتاد الأذهان كطيف محبّب.
بعد غياب سنوات عادت نوال إلى سوريا، إلى مسقط رأسها حماة يوم 16 آب، ولكن في نعش.