لم يبق احد في شركة كهرباء لبنان إلا وأصابه الحزن في الصميم على فقدان زميلته في العمل زينة شمعون الحاج في انفجار الرابع من آب قبل شهرين من بلوغها الثامنة والخمسين. كانت نزيلة القلب عند الجميع، بسيطة كانت في تعاملها، كلماتها عذبة دائماً، لاتبخل في تقديم اي مساعدة تقدر عليها لأي زميل في العمل.th في بلدة دير القمر ولدت، وفي حي مارمخايل في بيروت على مسافة امتار قليلة من "شركة كهرباء لبنان" اتخذت منزلا لها بقيت فيه بعدما تزوجت، فيما انتقل والداها للسكن في جبيل.
باكراًعاشت زينة قصة حب مع سليم الحاج الناشط في المجال السياسي والحزبي. غرام وقف اهلها سداً حياله، فالتحزب كان بالنسبة لهم تعبيرأ عن خصائص غير مطمئنة.أصرارها على الارتباط بسليم كان أقوى من كل الموانع."الخطيفة" كانت الحل النهائي.
لم تكن حياة زينة بعد الزواج سهلة.غياب سليم المبكر حول يومياتها الى صراع دائم مع الهموم والتعب.وحدها كانت في تربية أولادها من دون مساعدة من احد. الإصرار والعزيمة كانا اقوى من كل التحديات، فاستطاعت في النهاية العبور بهم الى اللحظة السعيدة التي يتمناها الاهل لأولادهم، إذ أصبح لكل منهم مهنته واختصاصه.
اهم ما كان يميّز زينة بحسب ابنتها انها كانت تحاول ان تحيا دائما بانسجام تام مع ايمانها بالله ويسوع المسيح. قبل ايام من رحليها زارتها السيدة العذراء حلمت بها وهي تمسكها بيدها وتصطحبها معها.
يوم الرابع من أب مازال يحفر عميقا في ذكراة ابنتها "نادين" التي تسكن معها في نفس المنزل والموظفة معها في نفس الشركة ايضا. يومذاك، تلقت زينة اتصالاُ من ابنها والذي يسكن خارج العاصمة مع عائلته، دعاها فيه لقضاء السهره عنده في المنزل، وطلب منها الابكار في الحضور. راقت لها الفكرة لكن "نادين" اقترحت التأجيل، كانت تريد الذهاب الى النادي لممارسة الرياضة.
لحظات من الضياع عاشتها نادين وهي في النادي، فقدت التركيز للحظات قبل ان تدرك ماحصل،هرعت الى المنزل. كان المشهد اقوى من الوصف: الشارع لم يعد نفسه، وكأن اجنحة حملته الى مكان اخر، وأتت بشارع غيره. من خلف عتمات الموت والدمار، في المنزل بحثت نادين عن والدتها، فوجدتها بين الركام، وقد غطت جسمها الدماء. حملتها الى المستشفى ولكن الوقت كان قد فات.
اليوم تعيش نادين وحدها. لم تستوعب بعد فكرة الفراق، وأن زينة قد غادرت الديارتاركة وراءها شموعا وبخورا وعيونا دامعة لا تقوى على هموم الفراق.