
فاطمة الكنو
في قرية من قرى ريف حلب الشمالي في الجمهورية العربية السورية ولدت فاطمة الكنو قبل أثنين واربعين عاماً. مشوارها المدرسي انتهى عند حدود المرحلة الابتدأئية. لم تفلح محاولات والدتها في إقناع والدها بإكمال تعليمها أكثر من ذلك. خرجت من المدرسة وعبثاً حاولت ان تتأقلم مع حياة الزرع والحقول، لكن تفكيرها كان دائماً هناك حيث الاحرف الابجدية ترفرف على شفاه التلاميذ وفوق اقلامهم وكتبهم..
عندما بدأت نوافذ إحساسها تتفتح، جاءها ابن عمها علي.. ابتسمت برضى وأعلنت موافقتها عليه زوجاً.
في كنف علي عاشت فاطمة حياةً مستقرة وأنجبت سبعة أولاد، وهي تنقلت معه في أكثر من منطقةٍ في لبنان على مدى خمسة عشر عاماً حيث عمل في مهن مختلفة، قبل أن يستقر ناطوراً لأحد الابنية القريبة من مرفأ بيروت.
من قلب إحساسها بالمصيبة، تسرد فاطمة أحداث الرابع من آب ٢٠٢٠ المشؤوم: كانت الساعة بعيد السادسة عندما شعرت بأثات الغرفة حيث تسكن مع عائلتها يتناثر قطعةً قطعة. وبألم في جسمها مشحون بلهيبٍ لا يطاق، حاولت ان تقوم من الارض لكن التلاشي غلبها.
قبل ان تغيب عن الوعي نظرت حولها، فرأت ابنتها سيدرا ممدة أرضا، كانت ما زالت تتنفس، لكنها سرعان ما ارتعشت وسط دخانٍ رمادي كثيف، كأنه مشبع بغاز سام واختفى من وجهها لون الحياة. لحظات شعرت فيها فاطمة أن عصباً حيوياً كان موصولاً مباشرة إلى قلبها قد انقطع. ماتت سيدرا ابنتها.
في المستشفى ارتعشت فاطمة وأضطربت عندما أستفاقت ووجدت نفسها وحدها. كان هناك أبرة مصل مزروعة في وريدها وجراحها تؤلمها. بعد قليل حضر الطبيب، شرح لها ببضع كلمات الاصابات التي ألحقت بها. أخبرها أنها بخير ، ولكن مشيتها لن تعود كما كانت من قبل. الانفجار سلب منها القدرة على السير بخطوات متوازنة نتيجة الاصابة في رجلها، وكسر أربع فقرات في ظهرها، أصبحت بحاجة دائمة إلى عكاز تتكئ عليه. خمس وعشرون يوما قضتها فاطمة في المستشفى خرجت بعدها وهي تحمل أوجاعاُ جسدية ونفسية أيضاً. فهي اصبحت اينما ذهبت تشعر بأن الناس تحولوا إلى وحوش لايهتمون للأذى الذي يسببونه لغيرهم. صحيح أن جراح فاطمة مازالت تؤلمها، ولكن الوجع الاكبر والاقسى هو شوقها لعيني ابنتها، والذي سيظل يخنق حنجرتها دون ان تتمكن من قول كلمة.
ㅤ