مصطفى عيروت

هو "رجل مرساة البحر"... هكذا عرّف عنه أقاربه عندما كان مفقوداً. فعلى يد الرّجل اليمنى وشم مرساة بحر ووجه أسمر، تلاشت ملامحه ولم يستطع أن يتعرّف عليه أحد.

مصطفى عيروت (٣٠ سنة) من بانياس في محافظة طرطوس السّوري، الأخ والابن، والزّوج والأب، لمصطفى طفل بعمر الثّلاث سنوات، في لقائهما الأخير كان عمر طفْله لم يتعدّ الأشهر،ولم يره منذ ذلك اليوم.

عمل عيروت في باخرة ”أورينت كوين” لمدّة ثمانية أشهر، هو بحّار منذ نعومة أظفاره، بدأ يبحر بعمرالسّابعة عشر، كان يعمل في قسم صيانة البواخر. لا بقعة ثابتة لعمل الشّاب السّوري الذي كان يتنقّل مع طاقم الباخرة وعمّالها الرّحّالة من بلد إلى آخر، وعمله هذا كان سبب غيابه عن عائلته في سوريا لعامين.

قبل عشرة أيّام من وقوع الجريمة، اتّصل مصطفى بشقيقته، تحدّثا وضحكا كثيراً ووعدها أنّه سيلتقي بها عمّا قريب، بعدما يحصل على أوراقه القانونيّة التي تسمح له بالخروج من المرفأ.

كانت الباخرة موطن الشّاب الهارب من حرب بلاده، وكانت البقعة الوحيدة التي تطأها قدماه خارج الباخرة هي الرّصيف. الرّصيف الذي لا يُسمح لغيره من عمال الباخرة أن يقف عليه، كان محبوباً من كل من يعرفه في المرفأ. على الرّصيف ذاته شوهد مصطفى أثناء اندلاع الحريق، نجا جميع عمّال الباخرة الذين لا يُسمح لهم بالخروج منها وارتقى مصطفى وكأنّه دفع ثمن حريّته تلك”.

استمرّت عمليّة البحث عن جثمانه أكثر من عشرة أيام.. لا أحد يعرف كيف أمضى لحظاته الأخيرة. جُلّ ما يعرفونه أنّه كان يشاهد الحريق عن قرب عند اندلاعه. لم تكن عائلته القابعة في سوريا جاهزة لتقبّل خبر رحيله، كانوا يأملون أنّه قد ينتظرهم في مكانٍ ما بعدما فقد الذّاكرة. لم يوفّروا وسيلة تواصل اجتماعي إلّا واستخدموها علّ أحدهم يرشدهم إليه.

وحدهُ بسّام، زوج أخته، واصل عمليّة البحث، تنقّل من مستشفى إلى أخرى.. عثرت فرق الإنقاذ على أشلاء، وحده لم يفقد الأمل، أقنع بسّام والد مصطفى وهو في طريقه إلى لبنان بضرورة إجراء فحص الحمض النّووي، وهكذا تمّ: أُجري الفحص وأُثبتت النّتيجة هويته.

رحل مصطفى الشّاب الهارب من الحرب ليُقتل على رصيف في مرفأ بيروت.

Moustapha passed away… A young man who escaped the war, to die on the dock of the Port of Beirut.

Arabic