قيل "‏بيروت يا أم الدني" مقولة تناقلتها الأجيال عبر العصور للتعبير عن انفتاح هذه العاصمة على العالم واحتضان شعوب الأرض لطيبة أهلها و أرضها. بيروت التي لم تعرف السلام الذي كتب لها، عانت الكثير من الصراعات والأزمات، وآخرها كان انفجار مرفأ بيروت عام2020، الذي خلف وراءه قافلة من الضحايا تجاوزت المئتي ضحية وألاف المصابين وأضرارًا جسيمة في الممتلكات لا تحصى . ومن بين الذين تضرروا، النازح السوري المصاب شادي جلخي.
نزح شادي من سوريا عام 1995 إلى لبنان هرباً من الحرب التي كانت قائمة في بلاده، وبحثاً عن الاستقرار والأمان الذي وجده لدى عائلةٍ احتضنته واعتبرته أحد أفرادها في منطقة جبيل، فعمل كمندوب مبيعات ومشرف على عمليات البيع.
في اليوم الرابع من آب خلال قيامه بعمله الذي امتدت مساحة تنقله من الشمال إلى جنوب لبنان، وفي طريق عودته إلى بيروت حيثُ المحطة الأخيرة له قبل العودة إلى بيته وأفراد عائلته الذي وعدهم بالفسحة بعد يومٍ شاق. شاهد في الجهة المقابلة من طريقه حريقاً ينبعث من مرفأ بيروت، استوقفه فضوله ليلتقط بعض الصور وإرسالها إلى أصدقائه لإعلامهم بالحدث، ولكنه لم يكن ليَعلَمَ أنّ شظايا ذلك الحريق ستطاله وسيصبح من بين مصابي المرفأ الذين نقلت شاشات التلفزة ووسائل الإعلام أخبارهم.
عند الساعة ال 6:07 ضرب الإنفجار العاصمة بيروت، فأصيب شادي على الفور وغاب عن وعيّه لدقائق غارقاً بدمائه. لكن سرعان ما استفاق حتى اتصل بصديقِه طالباً المساعدة. هنا يقول شادي:" لا أعلم كيف وصلت إلى مستشفى في جونيه حيث قدمت لي الاسعافات الأولية. وبعد ظهور نتائج الفحوصات التي كانت ايجابية من الناحية الجسدية عاد إلى منزله فاقدًا الرؤية بعينه اليمنى، على الرغم من خضوعه بعد ذلك إلى عدّة عمليّات لمحاولة إنقاذ نظره في مستشفى "العين والأذن" إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل.
صحيح أن شادي عانى من ظروفٍ صعبة في حياته، إلا أن أقساها كانت تلقيه خبر استحالَةِ إعادة نظره، وأنَّ عليه الاعتياد على الرؤية بعينٍ واحدة، فقال متأثراً للحالة التي وصل إليها "كبَّروني 10 سنين".
لا يزال شادي يتلقى العلاج من خلال الأدوية وزيارة الطبيب، وقد قُدِّرَت كلفة العلاج مع العمليات التي خضع لها بال 35,000$ وهذا المبلغ لم يكن ممكناً تسديده لولا وقوف العائلة التي يعمل لديها إلى جانبه وتكفّلها بالعلاج والعمليات بعدَ تغطية وزارة الصحة مصاريف استشفاء المصابين يوم الانفجار.
بعد المعاناة التي مرّ بها شادي،, يطالب الدولة اليوم بالعدالة والمحاسبة والتعويض على الضَرَر الذي أصَابَه.