الأختْ صوفيا خوسروفْيان

اكتسبت موهبة رِواية القصص للأطفال وخاطَت لهم لوازم الحفلات المدرسيّة، ناقلةً إيّاهم إلى عالم الفرح والمحبّة والإيمان.. حتى الكبار كانت تُخبرهم قصصاً رائعة عن تاريخ وثقافة ومتاحف البلد الذي ترعرت فيه، فَعشِقوا طريقتها. لكنّها لم تدرِ أنّها ستُصبح هي يوماً "بطلة" إحدى هذه القصص.

إنّها "سور" صوفي، الراهبة "اللعازاريّة" منذ 40 سنة، الإيرانيّة (الأرمنيّة الأصل) الآتية من بعيد. من بلدٍ كانت فيه الملكة فرح ديبا إحدى تلميذات "راهبات المحبّة"، ما جعلها تحظى بالتّقدير في المجتمع الإيراني. والأخت الصّغرى في عائلة مؤلّفة من 4 بنات، ربّتهنّ والدتهنّ بعد وفاة الوالد باكراً، ثمّ هاجرنَ إلى أميركا. وصلت إلى لبنان منذ 20 عاماً فأحبّته وخَدَمَت فيه على خطى شفيعها "سان فانسان دي بول". في زغرتا حضّرت الأولاد للقربانة الأولى، وفي الأشرفيّة اعتنت بالمسنّين وبأطفال الحضانة في مدرسة "الحَبَل بلا دنس"، واهتمّت بالشّؤون الليتورجيّة وبتزيين مذبح الكنيسة فيها.

عند وقوع انفجار 4 آب المشؤوم، تَزَلزَلت أركان المدرسة المقابلة للمرفأ. كانت تُصلّي في غرفتها، وقع كلّ شيء عليها. أُصيبت برأسها، فنقلتها الرّاهبة الأمّ مارلين، على ما رَوَت، وبعد تخبّط كبير بالسيّارةِ إلى مستشفى قلب يسوع. المستشفيات القريبة كلّها تدمّرت. على الطّرقات دمار وزجاج محطّم و"سور" صوفي تنزف وتتألّم. نَظَرت إلى الرّاهبة الأمّ نظرة وداع وأوصتْها: "اهتمّي بالمدرسة وانتبهي على البيت". ثمّ فَقَدَت وعيها. ساعتان في غرفة العمليّات لوقف النّزيف الدّاخلي الذي أصاب قلبها وكبدها، ولكن.

توقّف قلب الرّاهبة المحبوبة. هي لن ترى بعد اليوم الورود الملوّنة التي أحبّتها و زرعتها تنمو، ولن تواصل تعليم التّراتيل وترنّمها بصوتها الجميل. رَحَلَت بصمت هي التي لم تكن تُكثر الكلام رغم إتقانها للّغات العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة والفارسيّة والأرمنيّة والتركيّة، دون أن تُحقّق حلمها الكبير بالسّفر إلى أميركا للقاء شقيقاتها. انتظرت الخبر المُفرح بحصولها على الفيزا، لكنّ الخبر المحزن سَبَقَها، فعمّ الحزن الأرجاء.

كَتَبَ لبنان لها قصّتها. لم تكن نهايتها كما في سائر القصص "البطل ما بيموت"."سور" صوفي ماتت (على رجاء القيامة). لم تمت. إنّها باقية في قلوب جميع الذين عايشوها وأحبّوها. أصبحت "قصّة" تُروى للأجيال المقبلة، إذ لم يسبق لراهبة أن ماتت بمثل هذه الطّريقة المؤلمة. صوّرت للجميع أنّ "الحياة زهريّة" وغادرتْهم في مساء يوم أسود عنوانه "الإجرام".

 

Arabic